تقرير يسلط الضوء على تطور الاقتصاد العراقي والتحديات التي تواجهه

1

سلط كتاب بعنوان “الاقتصاد العراقي: الأزمات والتنمية” للخبير الاقتصادي علي خضير ميرزا، الضوء على التطور الاقتصادي في العراق وتحوله من الزراعة والتجارة إلى الاقتصاد الريعي النفطي.

وذكر تقرير لصحيفة “الحياة” نشر أمس الأحد، 16 أيلول، ان الكتاب الصادر في بيروت بشهر تموز الماضي، عالج تحول الاقتصاد العراقي من الاعتماد على الزراعة والتجارة، إلى الاقتصاد الريعي النفطي، حيث شرح الكاتب في البداية مسلسل الأزمات السياسية والاجتماعية والجيوسياسية التي تركت آثارا سلبية في الاقتصاد العراقي، على رغم الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة له.

وفيما يتعلق بالأهمية الاقتصادية لمدينة البصرة، أوضح التقرير ان محافظة البصرة التي تشهد حركة احتجاجية متصاعدة، وتعتبر عاصمة العراق الاقتصادية كونها ميناء البلاد على مجرى شط العرب وذات تاريخ تجاري مع الدول المجاورة والإقليمية الممتدة من دول الخليج إلى الهند وأوروبا، تشكل موقعا استراتيجيا.

كما ان البصرة تحوي أيضا عائلات يشهد لها بتاريخها التجاري وبأدائها الناجح والواسع داخل العراق وخارجه، وكان بعضها يدير أسطولا بحريا تجاريا، وأخرى بدأت تصدير التمور المغلفة والمعلبة، وبعضها تخصص في تجارة الحبوب والماشية.

ولفت تقرير الصحيفة إلى ان الإشارة إلى البصرة في المرحلة الحالية ضروري على ضوء الحركات الاحتجاجية والشلل الذي أصابها وشح مياه الشرب والانقطاع المستمر للكهرباء، فشح المياه لا يعود فقط إلى عدم توافرها، خصوصا وأن شط العرب يحاذي شواطئ المدينة، والمشكلة لا تكمن فقط في السدود التي شيدتها تركيا، فهذه المشاريع ليست جديدة، كما ان إغلاق إيران عشرات الأنهر والروافد خلال الشهور الماضية كان أُعلن عنه مسبقا، لكن المشكلة تكمن في عدم إنجاز محطة جديدة لتكرير المياه في الوقت المناسب، وفي سياسة التوظيف العشوائية التي اعتمدها النظام منذ عام 2003، والتي نتج عنها تعيين موظفين حزبيين غير مؤهلين ومن دون خبرة وتعليم مناسب، وشيوع ظاهرة النهب والسرقة.

ويرى التقرير ان الكتاب تطرق أيضا إلى أزمات الاقتصاد العراقي الحديث إضافة إلى التحديات الاجتماعية، ومنها الاسباب وراء هجرة العائلات التجارية وتهجير الأقليات المتخصصة في الأعمال التجارية، حيث لا يمكن توجيه أصابع الاتهام فقط إلى دور “الفخ الريعي النفطي”، على رغم أن هذا عامل مهم في الأزمة، إذ استطاعت دول مجاورة التعايش مع الريع النفطي وفي الوقت ذاته الحفاظ على التجارة الحرة والتخطيط الاقتصادي.

وتابع بالقول إن الكاتب ميرزا، سلط الضوء على مشكلتين، الأولى الارتفاع الكبير في عدد السكان العالية، الذي يبلغ نحو 3 في المئة سنويا والبطالة المرافقة، والثانية شح المياه، حيث كان من الضروري التعمق في شرح تحديين آخرين ذات أهمية أيضا، الأول خسارة العراق البيوت التجارية وكبار المزارعين، التي بدأت منذ التحولات السياسية خلال ثورة 1958 وبعدها، كما أن التحدي الثاني فيتمثل في انتشار الفساد بشكل غير مسبوق من قمة السلطة إلى أسفلها بعد غزو عام 2003.

وفيما يتعلق بالمشكلة الأساسية للاقتصاد العراقي الحالي، فقد أكد الكاتب انها تتمحور حول سياسة حكومات بعد عام 2013 على التوظيف الحكومي العشوائي، حيث أوضح انه “بعد انهيار أسعار النفط في 2014-2015، ظهر واضحا أن التوظيف في الجهاز الحكومي وصل حده، وبدأت بوادر تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي نهاية عام 2016، والذي اشترط وضع حد أعلى للتوظيف الحكومي”.

وتوقع زيادة عدد الداخلين إلى سوق العمل بحوالى 482 ألف شخص سنويا، وتكمن معضلة الحكومات بعد عام 2013 في اعتمادها سياسة توظيفية حزبية عشوائية تشترط إفادة الحزبيين والانصار على رغم عدم خبرتهم أو درايتهم بالعلوم والإدارة، وافتراض استمرار أسعار مرتفعة للنفط تغطي مسيرتهم الخاطئة، ولكن ظهر كل هذه الرهانات أثبتت فشلها عند انهيار الأسعار.

وبالنسبة إلى السياسات النفطية العراقية والمتغيرات الدولية، أي سياسات منظمة “أوبك” المؤثرة فيها ومرحلة الامتيازات النفطية والإدارة الوطنية، فان الفصل عن “المشهد النفطي بعد تغيير عام 2003″ في الكتاب يعد مرجعا أساسيا، مدعوما بالتحاليل والتفاصيل لهذه الفترة التي اكتظت باللغط حول ماهية العقود النفطية للحكومة المركزية وإقليم كوردستان، والعلاقات والخلافات النفطية بين المركز والإقليم، والتي كادت أن تؤدي إلى تقسيم البلاد.

وقدم الكتاب تحليلا للتفاوت في علاقة بغداد بالمحافظات في ظل النظام الفيديرالي، ولقواعد تقاسم الريع النفطي، وعالج الاقتراحات والانتقادات حول سياسة التوزيع المباشر لعوائد النفط على المواطنين العراقيين، حيث ان هذا الموضوع لا يزال يثير الكثير من الجدل، اذ يدعي بعض مؤيديه أنه سيؤدي إلى إضعاف نفوذ الحكم الديكتاتوري، فيما يدعي مناهضون للموضوع أن المشروع غير عملي وسيعرقل التنمية الاقتصادية، ناهيك بصعوبة تنفيذه في ظل غياب عقد اجتماعي وشيوع الفساد.

جدير بالذكر ان كتاب ” الاقتصاد العراقي: الأزمات والتنمية” قد يكون مرجعا في النقاشات حول مشروع توزيع الريع النفطي، وأهمية نجاح أو إخفاق تنفيذه في الدول النفطية الأخرى، لأنه يوفر شرحا للسياسة النفطية بعد عام 2003، ويمثل وجهة نظر دقيقة ومهنية في ظل اللغط التي صاحبها، خصوصا العائدات المالية الناتجة عنها والمسؤولية تجاه الشركات.

التعليقات معطلة.