المصدر: النهار العربيبرلين – شادي عاكوم
الجمعية العمومية للأمم المتحدة
A+A-انتقدت الدبلوماسية الإسرائيلية لدى ألمانيا بشدة امتناع برلين عن التصويت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، والذي قضى بتحسين الوضع الإنساني والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، متهمة ألمانيا بأنه لم يكن لديها موقف واضح ضد إضفاء الطابع النسبي على “إرهاب حماس”، والسلوك التصويتي لبرلين حمل الكثير من خيبة الأمل. فما أسباب موافقة برلين المفاجئة جزئياً بعدما كانت دعمت بوضوح إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟ مقعد غير دائم في مجلس الأمنبيّنت شبكة “أن تي في” الإخبارية أن امتناع ألمانيا عن التصويت على القرار بشأن الصراع في الشرق الأوسط بين “حماس” وإسرائيل، وعلى غرار التصويت ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، له تأثيرات وإشارات سياسية. وفي الإطار، ذكرت الشبكة أن السبب الحقيقي وراء هذا الموقف يعود إلى كون ألمانيا بحاجة لأصوات مؤيدة لها في الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنه لو صوتت ألمانيا ضد القرار ومع إسرائيل والولايات المتحدة لكان من الممكن أن تنسى الحكومة الفدرالية على الفور طلبها الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي عام 2027، وهذا يتطلب أغلبية واضحة في الجمعية. ولا مناص من القول إن المزاج السائد بين الحكومات الديموقراطية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية كان لمصلحة فلسطين، وكان واضحاً أنه يتعين المزيد من الاهتمام بحاجات أهل غزة المنكوبين، ناهيك بأن الطلب جاء من الدول العربية.
القرار غير الملزم بموجب القانون الدولي، تم تبنيه بأغلبية الثلثين ودان كل أعمال العنف ضد السكان المدنيين، ودعا إلى إطلاق غير مشروط للمحتجزين، وإلى السماح بوصول المساعدات إلى غزة من دون عوائق، كما إلى وقف فوري ودائم ومستدام لإطلاق النار الإنساني والذي ينبغي أن يؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، ولم تكن هناك إدانة واضحة لهجوم “حماس”. وصوتت 120 دولة لمصلحة القرار وامتنعت 45 عن التصويت، وعارضته فقط 14 دولة. ونقلت الشبكة عن دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي أن دعوة مندوب إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة إلى الاستقالة بعدما قال إن هجمات “حماس” لم تأت من فراغ، لن تخدم إسرائيل. ومن المعلوم أن العلاقات بين الأمم المتحدة وإسرائيل وصلت إلى أدنى مستوياتها في عام 1975، عندما وصفت الجمعية العامة الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية، وتم إلغاء القرار في وقت لاحق. تبريرات الحكومة الاتحاديةبرر المستشار الألماني أولاف شولتس امتناع بلاده عن التصويت على مشروع القرار في الأمم المتحدة، في تصريح له خلال زيارته لنيجيريا بأن برلين عملت جاهدة للتوصل إلى قرار في الجمعية العامة ينصف الوضع، وليضيف قائلاً: عندما لم ننجح، امتنعنا عن التصويت”. ست متوازنة بما فيه الكفاية، والقرار لا يطالب بإطلاق سراح كل الرهائن ولم يذكر بوضوح أن حركة “حماس” إرهابية. وفي هذا الصدد، اعتبر محللون أن القرار أثار قلق إسرائيل، لا سيما أن ألمانيا كانت على مدى عقود تحاول منع عزل تل أبيب في الأمم المتحدة، ومن الواضح الآن أن التعاطف الذي كان هناك بعد عملية “طوفان الأقصى”، بدأ يتضاءل يوماً بعد يوم بفعل الهجمات الدامية الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة. انقسام الاتّحاد الأوروبي ودول السبع ويظهر سلوك التصويت مشكلات كبيرة بالنسبة إلى الغرب ككل، وبرهن عن غياب للتناغم بين دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، بعدما صوّتت فرنسا وإسبانيا لمصلحة القرار، وصوّتت الولايات المتحدة إلى جانب عدد من الدول الأصغر في الاتحاد الأوروبي مثل المجر وجمهورية التشيك والنمسا ضده، فيما امتنعت بريطانيا وإيطاليا وألمانيا عن التصويت. وفي هذا السياق، أفادت قراءات سياسية بأنه في الصراع الجيوسياسي بين الديموقراطيات الغربية ودول مثل روسيا والصين، كافحت الدول الصناعية السبع الكبرى لتجنب خلق الانطباع بأن العالم منقسم، لكن خلال اجتماع نيويورك انهار الموقف الأوروبي بعد ساعات قليلة من التوصل إلى تسوية خلال اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين، إذ دعا الزعماء الأوروبيون إلى إنشاء ممرات إنسانية ووقف إطلاق النار لأغراض إنسانية. في المقابل، بينت تعليقات أنه كان على ألمانيا التي وجدت نفسها في موقف صعب للغاية نتيجة التصويت، أنه بحكم تقبل الجيران العرب دائماً أن أمن إسرائيل يشكل جزءاً من “عقل الدولة” في ألمانيا في ضوء مسؤولية الأخيرة عن المحرقة، كان ينبغي عليها في الواقع أن تصوت بـ”لا” تضامناً مع إسرائيل. تصويت 14 دولة فقط ضد القرار يعطي انطباعاً بأن إسرائيل تشعر بالعزلة، إذ لم يصوت معها سوى الحليف الأقرب الولايات المتحدة، وعدد من الدول غير المؤثرة مثل فيجي وناورو وجزر مارشال وغينيا الجديدة والمجر وغيرها. وكان سفير إسرائيل لدى ألمانيا رون بروسور قد انتقد في حديث مع صحيفة “بيلد” أخيراً التصرف الألماني، داعياً الحكومة الاتحادية إلى دعم بلاده بوضوح في الأمم المتحدة. وليضيف قائلاً: “لأنها لا تستطيع أن تقول مباشرةً إن حماس مسؤولة عن المجازر بحق إسرائيل، امتنعت برلين عن التصويت معنا”. وقال رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا جوزيف شوستر للصحيفة عينها، إن موقف ألمانيا في الأمم المتحدة غير واضح، واشتكى من تنامي الكراهية والعداء علناً لليهود في الشوارع والمرافق العامة في ألمانيا.