تنامي العلاقات الهندية الإسرائيلية

1

 
 
د. فايز رشيد
 
عرفنا الهند في ستينيات القرن الزمني الماضي من خلال علاقة رئيسها نهرو بالرئيس الراحل الخالد جمال عبدالناصر, ودورهما معا مع رئيسة وزراء سريلانكا باندرانايكة والرئيس اليوغوسلافي تيتو في تشكيل دول عدم الانحياز عام 1955 في باندونج, ككتلة توازن بين معسكري الحرب الباردة: الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية من جهة، والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة من جهة أخرى. وانعقد مؤتمر الحركة الأول في بلجراد عام 1961, ثم انطلقت الحركة لتحافظ على الحياد الإيجابي بين المعسكرين, ولتعلن تأييدها الكبير لكل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. حينها رفضت الهند الاعتراف بإسرائيل, ولم تمتلك علاقات من أي نوع مع الدولة الصهيونية. كانت وظلت دولة مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وعموم القضايا الوطنية العربية وقضايا التحرر والتقدم في العالم أجمع.
يؤرّخ لبدء العلاقات الدبلوماسية العلنية للهند مع “إسرائيل” منذ عام 1992م، إذ بدأت العلاقات التجارية والعسكرية والتكنولوجية بينهما لتتحول إلى علاقات استراتيجية مشتركة ضد ما تسميانه التهديدات الأمنية المشتركة, وقد كشف دراسة متعددة الجنسيات أن الهند هي أكثر البلدان مناصرة للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، وفي باقي المؤسسات والمحافل السياسية الدولية. للأسف جاء ذلك, بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقيات أوسلو بين كل من مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية مع “إسرائيل”, وبذلك انتفت أهم الأسباب المانعة لاعتراف الهند بدولة الكيان الصهيوني .الهند هي من أكبر مشتري الأسلحة الإسرائيلية الصنع, و”إسرائيل” هي ثاني أكبر شريك عسكري للهند بعد روسيا. وفي 2009, فإن الصفقات العسكرية بين البلدين بلغت 9 بلايين دولار(موقع ويكيبيديا) والعلاقات العسكرية والاستراتيجية بين البلدين تمتد إلى التدريبات العسكرية المشتركة وتكنولوجيا الفضاء.
الهند هي أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي, إذ تشتري الهند نحو خمسين في المائة من المبيعات الإسرائيلية من الصواريخ بعيدة المدى. في 24 أكتوبر 2018, أعلنت شركة بهارات للإلكترونيات توقيعها عقدا مع شركة “إسرائيل” للصناعات الجوية لشراء صواريخ سطح ـ جو بعيدة المدى بقيمة 777 مليون دولار (العلاقات الهندية الإسرائيلية, مصادر إلكترونية متعددة من بينها الجزيرة نت). من حيث الميزان التجاري الإسرائيلي الهندي فهو في تصاعد مستمر. تصدر الهند لإسرائيل أساسا الألماس والأحجار الكريمة (66%) والمنسوجات والمنتجات الجلدية (9%), والكيماويات (10%), البلاستيك والمطاط (5%). ومن الجانب الإسرائيلي الألماس والأحجار الكريمة المصقولة (69%), أجهزة الاتصالات (18%), والكيماويات والبلاستيك (6%) والأجهزة الطبية (3%) (ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).
مؤخرا, أكد العديد من المعلقين الهنود أن بناء العلاقة بين الهند وإسرائيل, يقوم أساسا على زواج بين الصهيونية المتطرفة والقومية الهندوسية المتطرفة. وقالت الباحثة الهندية المقيمة في بروكسل شيري مالهورتا والتي ظهرت مقالاتها في “هآرتس” الإسرائيلية: إن في الهند يعيش أكبر تجمع للمسلمين بعد الباكستان وإندونيسيا, فهم يعدون أكثر من 180 مليون نسمة. وأضافت أن العلاقة الهندية ـ الإسرائيلية تم تأطيرها بشكل عام بناء على تلاقي طبيعي بين حزب “بهارتيا جاناتا” ـ الحزب الحاكم ـ وحزب الليكود. فقد قامت القومية الهندوسية ببناء سردية تقوم على أن الهندوس كانوا ضحايا المسلمين, وهو خطاب جذاب للهندوس الذين عاشوا التقسيم ويعيشون العلاقة المضطربة بين الباكستان والهند.
وقالت مالهورتا في مقالتها: إن أكبر طبقة معجبة بإسرائيل في الهند هم “هندوس الإنترنت” الذين يحبون إسرائيل بسبب الطريقة التي تعامل فيها الفلسطينيين وتقاتل المسلمين. وشجبت مالهورتا مطالب أستاذ جامعة كارلتون، فيفك ديهاجي ببناء حلف ثلاثي هندي ـ إسرائيلي ـ أميركي خصوصا أنها جميعا عانت من سوط “الإرهاب الإسلامي”. ويعلق روبرت فيسك أنه بنهاية عام 2016 لم يزد عدد المسلمين الهنود الذين سافروا للقتال في سوريا مع تنظيم الدولة عن 23 شخصا, مع أن بلجيكا التي لديها أقلية مسلمة صغيرة أنتجت 500 جهادي. وترى مالهورتا أن علاقة الهند مع “إسرائيل” يجب أن تقوم على البراغماتية لا الأيديولوجيا. إلا أنه من الصعب رؤية هذا في وقت تقوم فيه المؤسسات الصهيونية بإعطاء دروس في الشوفينية الفاشية, للهندوسية من خلال صفقات السلاح للهند والتي استخدمت ضد الإسلاميين في الباكستان. وترى الكاتبة بضرورة عدم السماح بتشابك فلسطين وكشمير معا وترك 180 مليون مسلم وحدهم. جملة القول مؤسف هذا التنامي في العلاقات الهندية الإسرائيلية.

التعليقات معطلة.