بقلم : روزانا رمّال
بعد عام على تسلّم ترامب مهامه الرئاسية جلسات مراجعة متتالية تُجريها المؤسسات الأمنية والإدارات الأميركية المسؤولة عن وضع استراتيجيات حماية الأمة الأميركية والشعب الأميركي من التحديات التي تواجههما. هناك نشاط واضح لوزارات اساسية بين الدفاع والداخلية والخارجية صدرت عنها بالتوالي بيانات ومؤتمرات صحافية خاطب فيها المعنيون الشعب الأميركي والعالم بلغة فيها الكثير من الترقب وتبرير «التصعيد» التي تجنح نحوه واشنطن.
هي استراتيجية دفاع أميركية جديدة واستراتيجية سياسية أيضاً. فقد اعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن إطلاق استراتيجية الامن القومي الأميركي بعد دراسة معمّقة للتطورات التي جرت وتجري في مناطق التوتر بالعالم، وخرج بمؤتمر صحافي من واشنطن يؤكد فيه أهدافاً أميركية جديدة ورؤيا مغايرة يرى فيها «أن الدول العظمى المنافسة وليس الإرهاب هي محور تركيز استراتيجية الأمن القومي الأميركي» ، مع تأكيده أن «الجيش الأميركي سينتصر في أي حرب إذا فشلت الدبلوماسية في حلّها»!
الكلام الجديد ليس في التصعيد المذكور او الذي توحي به كلمة «ماتيس» انما باعتبار مصطلح «الإرهاب» او «داعش» وما يعادله الذي غزا العالم ومجالس الدول الاستراتيجية منذ عملية 11 ايلول ملفاً أميركياً جانبياً اليوم، والانتقال لوضع أخطار أخرى وإطلاق أولويات اخرى للعمل على متابعتها. وهذا ما يشير اليه ماتيس في قوله «إن الدول العظمى المنافسة وليس الإرهاب هو محور تركيز استراتيجية الامن القومي»! الدول المنافسة بطبيعة الحال تتصدّرها روسيا ومن ورائها من حلفاء أولهم إيران.
بالنسبة للدول «العظمى» المنافسة، فان الولايات المتحدة تقصد الصين وروسيا. وقد وصلت الرسالة لروسيا بإعلان سيرغي لافروف بالأمس ذلك، بمؤتمر صحافي من نيويورك قائلاً «نعرف أن روسيا قوة كبيرة والصين اليوم هي قوة اقتصادية وواشنطن تعتبر أن هذه الدول تقوّض القوة الأميركية، ونحن نأسف لعدم لجوء الولايات المتحدة للحوار، بل لطرح استراتيجية تعبر عن «المواجهة». ومع ذلك فنحن مستعدون للحوار. هناك الكثير ممن يدركون أن الاستقرار الاستراتيجي يجب أن يبقى موجوداً».
وفي متابعة ذلك، أعلن مسؤول في الخارجية الأميركية مباشرة بعد كلام «ماتيس» بما يوحي بتنسيق مشترك بين وزارتي الدفاع والخارجية، حيث أعلنت الأخيرة قبل أيام مواقف جديدة لتيلرسون حول الوجود الأميركي في سورية والتعامل مع تركيا، فقال «إن وجود الولايات المتحدة في سورية يهدف الى الحد من وجود إيران ونشاطاتها». الموقف الأميركي او الهدف الجديد صار أوضح من أي وقت مضى اذاً: في وقت كان هدف الوجود في سورية عبر التحالف الدولي مندرجاً ضمن إطار إنشاء حشد دولي لقتال داعش التي وصلت لأوروبا واجتاحت سورية والعراق ليتبين اليوم أن البقاء في المنطقة وحجز مكانة بوجه التمدّد الروسي والإيراني في المنطقة هو الأساس.
الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة تتمركز حول تحييد مصطلح داعش واستبداله بأخطار أخرى تسمى «إرهاب الدولة» واليوم إيران واحدة من هذه النماذج وكوريا الشمالية أيضاً وبتمييز استراتيجية واشنطن في المنطقة، فإن ما يعنيها هو إيران وعملية شيطنتها وشيطنة حلفائها بدأت بديلاً عن داعش لتصبح هي الخطر الأول في المنطقة ما يبرر أي تصعيد عربي خليجي بوجهها وأي دعم لخلق قطيعة بينها وبين المقاومة الفلسطينية.
الأهداف الأميركية التصعيدية تصبح أكثر ضرورة بعد قرار ترامب الأخير والذي يبدو أنه قرار مدروس للغاية، اتخذت باقي المقررات بين الدفاع والخارجية على أساسه ضمن خطة مواجهة شاملة في الدبلوماسية والتصعيد الميداني. وهذا التصعيد بدأ أميركياً منذ إعلان نقل السفارة للقدس، فنسفت واشنطن عملية السلام بعد ان صارت طرفاً في الصراع.
تيلرسون الذي أكد أن القوات الاميركية باقية في العراق وسورية، كشف أنه لا يوجد إحراج لدى الأميركيين في تغيير الاستراتيجيات والتموضع السريع وفق الحاجات. وإذا صارت روسيا وإيران قوتين كبيرتين اليوم، فإن هذا الأمر يعني أن تسعى واشنطن لمواجهتهما، لكن هذا رسم أسئلة عديدة حول توريط الدول التي انضمّت للتحالف الدولي في الصراع ضمن عنوان مكافحة الإرهاب في حين أن الخيار كان منذ البداية إعادة الوجود الأميركي بصياغة أخرى.
الذريعة الجديدة صارت جاهزة للبقاء في سورية والعراق. وهي الذريعة التي تضاف للصراع الروسي الأميركي التاريخي وعدم إخلاء المنطقة للحضور الروسي بعد أن تبين تمسك سورية في هذا الوجود. وهي «إيران»، لكن الأهم هو أن هذا الوجود صار ضرورياً متابعة لقرار ترامب في القدس، لأن أي خروج أميركي من المنطقة هو تعرية للموقف «الإسرائيلي» وإضعاف له كحليف اول وكشف الحلفاء الآخرين. وبالتالي فإن كلاً من خطابات تيلرسون وماتيس مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخيار الأميركي «الأهم» في القدس. وهو بحد ذاته يتطلب مواجهة واضحة تبدو واشنطن أنها مستعدة لها دولياً، لكن «إسرائيل» التي تجهل ما قد يخبئه الفلسطينيون من تصعيد ميداني قد يجرّ بعض القوى إلى تحالفات، ربما لإيران فيها يد طولى تجعل فكرة الخروج الأميركي من المنطقة في هذا التوقيت مقتلاً لـ«إسرائيل» الأمر الذي «لن» يقوم به ترامب.