بانتخاب سيروان روزبياني عن الحزب الديموقراطي الكردستاني نائباً أول لمحافظ نينوى، تكون واحدة من عِقَد الإدارات المحلية في المناطق المتنازع عليها في العراق بين إقليم كردستان والسلطة المركزية قد حُلّت، بتغليب مبدأ التوافق السياسي، في وقتٍ لا يزال انتخاب محافظ لكركوك عالقاً من دون حسم، بسبب عدم توافق أعضاء مجلس المحافظة في ما بينهم، من الكرد والعرب والتركمان، الأمر الذي يُنذر بمزيد من التصعيد الذي قد تشهده المحافظة بخلفيات قومية. تقاسم السلطة المحلية في محافظة نينوى سار بسلاسة بعد الاتفاق بين الكتل الرئيسية على انتخاب عبد القادر الدخيل عن كتلة “نينوى لأهلها” بزعامة المحافظ السابق نجم الجبوري لمنصب المحافظ، فيما حصلت كتلة “العقد الوطني” بزعامة رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض على منصب “رئيس مجلس المحافظة”، واتفق الطرفان على نائبين للمحافظ، أحدهما كردي من الحزب الديموقراطي الكردستاني، وآخر عربي عن كتلة “الهوية الوطنية”.
محافظ نينوى عبد القادر الدخيل. في مقابل ذلك، أرجأ مجلس محافظة كركوك عقد أولى جلساته لعدم اكتمال النصاب، بحسب ما أعلنت رئيسة السن بروين فتاح، لأنّ ثمانية أعضاء حضروا الجلسة فقط، عن الكتل الكردية والمسيحية، من أصل 16 عضواً في مجلس المحافظة، فيما قاطعتها الكتلتان العربية والتركمانية الحائزتان على المقاعد الثمانية الباقية. القوى العربية في مجلس المحافظة (تملك 6 مقاعد من أصل 16 مقعداً) أعلنت تمسّكها بمنصب المحافظة، وعزت عدم حضورها اجتماعات مجلس المحافظة إلى غياب التوافق بشأن المحافظ، مذكّرة بوجود تفاهمات بينها وبين الجبهة التركمانية، لكنها لم تصل إلى نتائج نهائية لتوافقاتهما، ولأجل ذلك أرجأت حضورها الاجتماع. وهو أمر عبّر عضو مجلس المحافظة عن المكون الكردي والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ريبوار طه عن احترامه له. صعوبة الاتفاق الثلاثي لكن مراقبين أشاروا إلى الاجتماع السياسي الرفيع بين قيادات من الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني، قُبيل انعقاد الجلسة بيوم واحد في مدينة السليمانية، إذ أكّدوا توافق الكتلتين الكرديتين على اختيار المحافظ من المكوّن الكردي، ما خلق خشية لدى الكتل الأخرى، التي كانت تتطلّع لأن تعقد ائتلافاً مع أحد التكتلين الكرديين لإيصال أحد مرشحيها. مصدر سياسي كردي رفيع كشف لـ”النهار العربي” عن صعوبة التوصل إلى توافق ثلاثي سريع بين الكتل الكردية والعربية والتركمانية في مجلس المحافظة، على غرار ما حدث في الموصل، نظراً لطبيعة الحساسيات الخاصة بالمحافظة، والتي تراكمت بحدّة أكثر خلال الأعوام السبعة الأخيرة، منذ إقالة المحافظ الكردي المنتخب نجم الدين كريم في العام 2017، بعد إعادة الجيش وفصائل الحشد الشعبي بسط سيطرتهما على المحافظة، وإخراج الأحزاب الكردية من فضائها السياسي، وتعيين المحافظ الحالي راكان الجبوري بالوكالة عبر قرار من الحكومة المركزية، وهو المتهم بتطبيق سياسات مناهضة للكرد داخل المحافظة.
“عروض توافقية”أضاف المصدر أنّ مبدأ الأغلبية الديموقراطية يدفع لأن يكون المحافظ كردياً، لأنّ الكتل الكردية تملك 7 من أصل 16 مقعداً، كما حدث في محافظة نينوى وقبلت به القوى الفائزة هناك، إذ إنّ كتلة المحافظ عبد القادر الدخيل تملك 5 مقاعد فقط من أصل 24، لكنها مع ذلك الكتلة الأكبر. وهو ما لا ترضى به الكتل الأخرى، متبعة سياسات قومية تجاه الأكراد، وفي الوقت نفسه ترفض التوافق على أساس أوزان الكتل في مجلس المحافظة، وتصرّ على إبقاء المحافظ الحالي راكان الجبوري في منصبه. الكثير من “العروض التوافقية” قُدّمت خلال الأسبوعين الماضيين من خبراء ومنظمات في المجتمع المدني، لاجتراح حلول بين الكتل داخل مجلس المحافظة، أكثرها واقعية وقبولاً كان المقترح القائم على تقاسم إدارة المحافظة خلال مرحلتين: في الأولى يكون المحافظ كردياً ونائبه عربياً ورئيس مجلس المحافظة من المكوّن التركماني، وتدوم لمدة عامين، وفي العامين اللاحقين يكون المحافظ من المكوّن العربي ونائبه من المكوّن التركماني ورئيس مجلس المحافظة من المكوّن الكردي. وفي حال عدم إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر بعد 4 سنوات، تُعاد الكرّة مرّة أخرى. خريطة سياسية وحزبية معقّدةالكاتب والباحث رضوان شيخ سلام شرح في حديث لـ”النهار العربي” الآليات المعقّدة لشؤون محافظة كركوك، خصوصاً في اختيار المحافظ ونائبه وباقي المناصب الإدارية، وقال: “ليس أمراً عبثياً أن تحضر عضو كتلة بابليون عن الكوتا المسيحية آنجيل زيا شيبا الاجتماع الأول لمجلس المحافظة مع الأعضاء الأكراد، إذ إنّ تيارها السياسي المدعوم من الأحزاب الشيعية المركزية مقرّب من الاتحاد الوطني الكردستاني، وتالياً هو مقرّب من إيران، في وقت تعلن تركيا صراحةً دعم التركمان للحصول على منصب المحافظ كحل وسط بين الكتل الكردية والعربية في المحافظة. ووفق ذلك، فإنّ التداول بشأن المحافظة يتجاوز الكتل الفائزة فيها، ويكاد أن يكون ملفاً إقليمياً معقّداً، لأنّ الأحزاب السياسية المركزية في العراق، وبحسب علاقاتها الإقليمية، لديها مطالب معقّدة ومركّبة من المحافظة ومستقبلها السياسي”. وأضاف: “سيكون عامل الحصول على تنازلات في ملفات أخرى أمراً حاسماً، منها طبيعة التوافق التي قد تقرّرها الكتل العربية في المحافظات الأخرى، خصوصاً بغداد وديالى، ذات الحساسيات الطائفية الشبيهة بكركوك، أو التوافق الذي قد يحدث بين الاتحاد الوطني الكردستاني وتركيا، بعد الاجتماع الأخير بين القيادي في الاتحاد قوباد طالباني ووزير الدفاع التركي يشار كولر، خلال زيارة الأخير لأربيل منذ أيام عدة، وتقديمه مجموعة من الطلبات التركية إلى الاتحاد الوطني”.
قوباد طالباني ووزير الدفاع التركي يشار كولر في أربيل.المراقبون شدّدوا على أنّ التوافق بشأن محافظة كركوك يحتاج إلى ما هو أبعد من الاتفاق على منصب المحافظ. فالسياسات والتوجّهات التي قد يتبعها أي محافظ لكركوك مستقبلاً، خصوصاً في الملف الأمني وقضية إزالة المخالفات وإعادة النازحين إلى المحافظة، بعقد مكتوب وواضح، هي الأساس، لأنّها ستخفف من هواجس كل المكوّنات والكتل السياسية في المحافظة.