المصدر: النهار العربي رستم محمود
قبل أقل من مئة يوم على إجراء انتخابات مجالس المحافظات في العراق، لا يزال التوتر الشديد يسيطر على أجواء محافظة كركوك، المتنازع عليها بين الحكومة العراقية المركزية وإقليم كردستان، وهو ما يُنذر بتأثيرها المحتمل على أجواء الانتخابات، أو حتى على إجرائها أساساً، حسبما يقول مراقبون. فمحافظة كركوك من أكثر مناطق العراق حساسية، وكانت تاريخياً منطقة تنازع بين القوميات الكردية والعربية والتركمانية. التصريحات الصادرة عن “المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات” في العراق، تقول إنّ الإجراءات المُتخذة من قِبلها في محافظة كركوك، بما في ذلك تدقيق سجل الناخبين الذي بقي مُختَلفاً عليه لسنوات طويلة، وإعداد اللوائح وتوزيعها على الدوائر والمراكز الانتخابية، وتشكيل فريق للإشراف القضائي، وكل المستلزمات اللوجستية الأخرى صارت جاهزة. مصدر كردي رفيع المستوى، لم ينكر أياً من المعلومات التي تصدرها مفوضية الانتخابات، لكنه أضاف أنّ المسألة في محافظة كركوك مرتبطة بالأجواء الأمنية، وقدرة الناخبين الأكراد على كسر الهواجس المتعلقة بالتوجّه إلى صناديق الانتخابات، خصوصاً من المقيمين خارج كركوك في يوم الانتخابات، الذي يصادف ذروة فصل الشتاء (18 كانون الأول – ديسمبر 2023)، إلى جانب التعقيدات المتعلقة بإمكان مراقبة المندوبين المفرزين من اللوائح والمرشحين الأكراد لكل الصناديق والغرف الانتخابية. فالكثير من المناطق في جنوب المحافظة وغربها مسيطر عليها بالكامل من فصائل وميليشيات لا تقبل حضوراً كردياً رسمياً بشكل عملي، كما يقول المصدر الكردي. انتخابات معلّقة منذ 2005لم تجرِ انتخابات مجالس المحافظات في كركوك منذ العام 2005، وبقي الحزبان الكرديان الرئيسيان يسيطران على مجلس المحافظة منذ ذلك الحين (27 مقعداً من 41)، وتمكنا بسبب ذلك من تعيين المحافظ والمراكز الإدارية الرئيسية في المحافظة، وهو ما تسعى القوى السياسية العربية ونظيرتها التركمانية لأن تغيّره خلال الانتخابات المقبلة، بُغية تحويل منصب المحافظ الحالي، راكان الجبوري، المُعين إدارياً وبشكل موقت من رئيس الوزراء منذ العام 2017، إلى مُنتخب بشكل رسمي من مجلس المحافظة. الكاتب والباحث رضوان حمه أمين، شرح في حديث لـ”النهار العربي” الأجواء التي قد تمنع إجراء انتخابات هادئة في المحافظة، والتي قد ينتج منها عدم اعتراف طرف ما بنتائجها، وهو ما يُولّد تنازعاً على الشرعية، وتالياً إمكان الصدام المباشر. وقال: “مبدئياً، تعتقد الأطراف التركمانية والعربية أنّها مُسيطرة على الملفين الأمني والإداري، وتالياً يُمكن لها تحديد المسار والآليات التي قد تجري الحملة الانتخابية وفقها، وهو ما قد يدفع إلى تعارض في التوجّهات، خصوصاً ضمن مدينة كركوك نفسها، المتداخلة بشكل كامل. وهو أمر قد ينطبق على عمليات التدقيق بحق المصوّتين القادمين من المحافظات الأخرى إلى مدينة كركوك، بالذات من إقليم كردستان، إذ ثمة ملاحقات أمنية كيدية بحق الآلاف منهم، بحجة مشاركتهم في استفتاء إقليم كردستان في العام 2017. وطبعاً سيمتد الأمر إلى موضوع تمويلات حملة الانتخابات وكيفية استغلال مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية، وترهيب هذه أو تلك من أحياء ذات صبغة قومية ما”.
التحالفات المزمعةووفق ما هو مُعلن رسمياً لدى المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات، فإنّ الأطراف الكردية ستدخل الانتخابات بأربعة تحالفات: التحالف الأول يتكوّن من الحزب الديموقراطي الكردستاني، والحركة الإسلامية الكردستانية، والحزب الإسلامي العراقي، إضافة إلى أطراف أخرى، وإن لم يتخذ هذا التحالف عنواناً واضحاً لحملته. التحالف الثاني، يتكوّن من الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني، باسم تحالف “كركوك قوتنا وإرادتنا”. أما التحالف الثالث، فيتكوّن من الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وجماعة العدل الكردستانية، باسم تحالف “شعلة كركوك”. كما أنّ حراك “الجيل الجديد” المعارض جذرياً للحزبين الكرديين الرئيسيين، سيشارك بمفرده في الانتخابات. القوى العربية ستدخل هذه الانتخابات ضمن خمسة تحالفات، واحد يضمّ القوتين العربيتين الرئيسيتين في البرلمان العراقي “السيادة والتقدّم”، يترأسه النائب محمد تميم، وهو متحالف مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وينافسه “التحالف العربي”، الذي شكّله النائب راكان الجبوري وأحزاب أخرى. أما القوى المقرّبة من الزعيم السياسي خميس الخنجر، فمنضوية تحت تحالف “العزم” و”الجبهة العربية الموحّدة”، فقد شكّلت سوية تحالف “العروبة” برئاسة وصفي العاصي. أما القوى المنضوية في الإطار التنسيقي (الشيعية)، فقد شكّلت تحالف “الإطار الوطني”، كما شكّل إياد علاوي مع أحزاب أخرى تحالف “الائتلاف الوطني”. يُعتبر الخنجر، وإلى جانبه تحالف “ائتلاف الدولة” من أكثر القوى العربية المقرّبة من نظيرتها الكردية، خصوصاً من الحزب الديموقراطي الكردستاني، بينما تُعتبر قوى الإطار التنسيقي متحالفة ضمناً مع الاتحاد الوطني الكردستاني. على صعيد متصل، اتفقت ثمانية أحزاب تركمانية على تشكيل ائتلاف باسم تحالف “الجبهة التركمانية العراقية الموحّدة” بقيادة حسن توران، لكن مراقبين يشيرون إلى أن الخلافات الداخلية التركمانية التي قد تنفجر في أي لحظة، وصلت إلى حدّ تدخّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.