توجُّه في المغرب لإلغاء تجريم التسوّل والمجتمع المدني يعارض بقوّة

1

 متسولة وطفلاها في احد الشوارع.


يفكر المغرب بإلغاء تجريم التسوّل في البلاد، باعتباره يتعارض وطموح الدولة الاجتماعية، وفق تعبير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة حكومية)، الذي دعا علناً السلطة التنفيذية إلى العمل على إعادة الدمج الاجتماعي للأشخاص الذين يمتهنون التسوّل بدلاً من تجريمهم، معززاً طرحه بصعوبة تحديد العامل الذي يدفع الشخص الى التسوّل، فيما مُقابل ذلك، طالب أيضاً بسن عقوبات أكثر صرامة ضدّ الأشخاص الذين يقومون باستغلال الأطفال واستخدامهم في هذه الممارسات. وورد هذا المطلب المفاجئ والملحّ للمؤسسة الدستورية على لسان رئيسها أحمد رضى شامي، الذي قال في لقاء مع الصحافة إنّ التسوّل “هو ظاهرة اجتماعية معقّدة في أسبابها الظرفية والبنيوية، وأبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأشكالها المتعدّدة، وتداعياتها على الأفراد والمجتمع والنظام العام، كما أنّها تنتهك الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للأشخاص الذين يمارسونها، وتمسّ بالدرجة الأولى الفئات الهشّة التي هي في حاجة إلى الحماية من كل استغلال ومُتاجرة، لا سيما الأطفال والنساء والمسنين وذوي الحاجات الخاصة، وبالتالي، لا مكان لها ضمن طموح الدولة الاجتماعية التي تسعى بلادنا لإرسائها بشكل تدريجي بناءً على أسس استراتيجية ومستدامة”. 

 ووصف الشامي التسوّل بأنّه “ظاهرة معقّدة” تؤثر بشكل رئيسي على الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة، وأكّد أنّها تفاقمت في السنوات الأخيرة، بخاصة بعد الأزمة الصحية التي سببّها فيروس كورونا، وجعلت أكثر من 3 ملايين شخص يقعون في براثن الفقر والضعف عامي 2021 و2022. ووصف الشامي الإجراءات التي اتخذتها السلطات للقضاء على هذه الممارسات بـ”المحدودة”، موضحاً أنّ “هذه الممارسة لا مكان لها ضمن طموح الدولة الاجتماعية التي تسعى بلادنا إلى إقامتها تدريجياً على أسس استراتيجية ومستدامة”، لكنه لم يقدّم أرقاماً عن الأشخاص الذين يمارسون التسوّل في المغرب، واكتفى باعتبارها “ظاهرة معقّدة”. وكانت ظاهرة التسوّل انتشرت بشكل كبير، وأصبحت مزعجة جداً في الشوارع والطرقات وأمام المؤسسات وفي ملتقيات الطرق وأضواء المرور، وهو ما كان موضوع تحذيرات برلمانية عدة، اعتبرت أنّ هذه الظاهرة أصبحت تهدّد السلامة الطرقية والأمن العام، في غياب أي علاج أو مقاربة أمنية، خصوصاً مع تزايد الحديث عن شبكات محترفة تغتني من الظاهرة. قانون خاضع للمراجعةويعاقب القانون الجنائي المغربي – الذي تقوم الحكومة بمراجعته حالياً – بأحكام تراوح بين شهر و6 أشهر الأشخاص الذين لديهم وسائل العيش ويمارسون التسوّل، وهو ما يحدث في المغرب عند إشارات المرور والأسواق وبالقرب من المساجد، وكذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. وقدّرت آخر الدراسات التي أُجريت عام 2003 عدد المتسوّلين في المغرب بحوالى 500 ألف، وكان الرقم في 2007، 195.950 متسولاً ، لكن الشامي يفيد بأنّ استطلاعاً أجراه المجلس أخيراً يُظهر أنّ هناك تصوراً بأنّ عدد المتسوّلين أعلى. وفي هذا الاستطلاع الذي أُجري على 4780 شخصاً، يؤكّد 89% منهم ملاحظة ممارسة التسوّل بشكل متواصل في الأماكن العامة، و98% يعتبرونه “ظاهرة خطيرة تكشف مدى الفقر وتمسّ الكرامة الإنسانية”، فيما يقول أغلب الذين شملهم الاستطلاع إنّهم يساعدون المتسوّلين بدافع الشفقة أو المعتقدات الأخلاقية أو الدينية، ويقول 16% إنّهم يفعلون ذلك بدافع الخوف. وفي ما يتعلق بأسباب التسوّل، أشار المستجوبون إلى الفقر وتدهور التضامن الأسري والبطالة والإدمان والمرض والإعاقة وغيرها. إلى ذلك، دعا المجلس إلى حماية الأشخاص الهشين من الاستغلال في التسوّل، من خلال تشديد العقوبات على الممارسات التي يتمّ ارتكابها تحت غطاء التسوّل، طبقاً لمقتضيات القانون الجنائي، لاسيما ضدّ الشبكات الإجرامية التي تستغل النساء والمُسِنِّين وذوي الحاجات الخاصة، والنهوض بالسياسات المتعلقة بحماية هؤلاء الأشخاص والعمل على إعادة تأهيل المتسوّلين ودمجهم في المجتمع، وهو ما يقتضي بالدرجة الأولى العمل على “إلغاء تجريم التسوّل”، بالنظر إلى صعوبة تحديد دافع الحاجة وإلى الجرائم الفردية أو الجماعية المقرونة بهذه الممارسة مُعاقبٌ عليها في العديد من أحكام القانون الجنائي. “بدائل مستدامة”ورأى المجلس  أنّه “يقتضى وضعَ بدائل مستدامة للتسوّل، من خلال تعزيز السياسات المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية، وتطوير الأنشطة المدرة للدخل، وتحسين التكفّل بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية”. 

 لكن هذه الدعوة الرسمية للمؤسسة الدستورية المغربية، لم تحظ بتأييد شريحة مهمّة من الهيئات المدنية والفاعليات الحقوقية التي تَواصل معها “النهار العربي” بهذا الخصوص، إذ اعتبرت أنّها تشجّع على ممارسة التسوّل الذي بات مهنة مدرّة للدخل لأفراد ليسوا في حاجة. وبحسب الناشط الحقوقي والمدني سعيد أمرابطي “لم يعد تفاقم ظاهرة التسوّل في المغرب مرتبطاً بالفقر والهشاشة، وإنما بالرغبة في الاغتناء السريع عل حساب كرم المحسنين، الأمر الذي يُسيء كثيراً إلى صورة تجمعات المغاربة السكانية، عبر التراب الوطني، وإلى المجهودات التي تبذلها بلادُنا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وصورة المملكة وسمعتها”. أسباب موضوعيةوقال امرابطي لـ”النهار العربي” إنّ للظاهرة أسباباً موضوعية وقاهرة تتعلق بالفقر والهشاشة وضيق ذات اليد وضُـعف الحماية الاجتماعية ونقص دور الرعاية، لا سيما بالنسبة الى المسنين والمُسنّات، والأشخاص في وضعية إعاقة، فيما الموضوع يتّخذ أبعاداً خطيرة، بل وإجرامية، حين يتعلق بامتهان التسوّل وتنظيم شبكات منظّمة تتخصّص باستغلال الأطفال في ذلك، موضحاً أنّ اعتقالات المغرب لممتهني التسوّل ضئيلة جداً، وأنّ السلطات تمتنع بالأساس عن تجريمهم إلا في حالة وقوع حادثة أو جريمة تهدّد الأمن العام. وأشار إلى حصيلة الحملات التي قامت بها المصالح الأمنية بالتنسيق مع السلطات المحلية لمواجهة ظاهرة التسوّل، إذ تمّ خلال الفترة من أول كانون الثاني (يناير) إلى 31 أيار (مايو) 2023 تسجيل 14 ألفاً و324 قضية متعلقة بالتسوّل، جرى بموجبها توقيف 15 ألفاً و908 أشخاص. 

التعليقات معطلة.