توجُّه ليبيا لإلغاء الدعم عن الوقود يُنذر بأزمة في تونس!

1

بات البنزين المهرب من ليبيا الخيار الأفضل للتونسيين.

يضع توجّه السلطات الليبية إلى إلغاء الدعم عن المحروقات تونس أمام تحديات جديدة قد تفاقم أزمة الوقود. وتعتزم الحكومة الليبية رفع الدعم كما كشف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أخيراً. وينتظر أن تعلن لجنة خاصّة، قبل نهاية العام الحالي، كانت الحكومة الليبية قد شكلتها قبل أسابيع وعهدت إليها بمهمة بحث حلول وآلية سداد ثمن المحروقات وتحديد كمياتها المحالة إلى شركات التوزيع المحلية، الضوابط الجديدة لاستفادة المواطن الليبي من المحروقات. خسائر ليبية كبيرةويكبّد تهريب المحروقات ليبيا خسائر كبيرة، ويشتكي البلد الغني بالنفط من الظاهرة، ما يضرّ باقتصاده الذي يعوّل كثيراً على عائداتها. وتمتلك ليبيا احتياطياً نفطياً هو الأكبر في قارة أفريقيا، بنحو 48 مليار برميل. وقال الدبيبة إنّ “نصف موازنة ليبيا تذهب إلى دعم الوقود، حتّى أن أرقام الدعم أصبحت مخيفة”، موضحاً “أن الدولة تشتري ليتر البنزين بـ3.5 دنانير وتبيعه بـ0.15 دينار، وهو ما يستوجب تغيير سياسات دعم المحروقات”. وتصنف ليبيا عالمياً ثاني أرخص بلد في سعر الوقود بعد فنزويلا، ما فتح شهيّة مهربي المحروقات للاستفادة من هذا الامتياز. وتخسر ليبيا ما لا يقلّ عن 750 مليون دولار سنوياً نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير الشرعية، فيما زادت مخصّصات دعم الوقود في ليبيا لتتجاوز 12 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بعام 2021. وللضرب على يد المهربين يتوجه الدبيبة نحو رفع الدعم عن المحروقات مقابل تقديم دعم مالي مباشر لليبيين، وقال إن ذلك “هو الحل الوحيد لمكافحة تهريب المحروقات”، لكن القرار يلاقي معارضة داخليةً واسعةً بسبب صعوبة تنفيذه. نشاط مزدهروتعتبر تونس من دول الجوار المنتفعة من عملية تهريب المحروقات الليبية، وتشمل تجارة المحروقات المهربة نصف المحافظات التونسية وتشكل مورد رزق لآلاف من سكّان تلك المناطق. وظاهرة تهريب الوقود من ليبيا إلى تونس ليست جديدة، وفق الخبير الاقتصادي خالد النوري الذي أكد أنها ظهرت خصوصاً في تسعينات القرن الماضي إبّان الحصار الذي فُرض على ليبيا بسبب أزمة حادثة طائرة لوكربي وما نجم عنها من انخفاض لقيمة الدينار الليبي، لكنه يشدّد على أن الظاهرة تطوّرت تطوراً ملحوظاً بعد سنة 2011 عندما شهد البلدان حوادث أطاحت نظامي الحكم وأضعفت أجهزة الرقابة الحدودية. وينشط مهربو المحروقات في المناطق الحدودية التونسية القريبة من ليبيا، والتي صارت  تعوّل كلّياً على البنزين الوارد من البلد المجاور حتّى أنه صار نشاطاً اقتصادياً قائماً بذاته. 

 ويبدو مشهد عرض البنزين الآتي من ليبيا على حافة الطرق الرئيسية في جنوب تونس وفي كل مدنها عادياً، وصار أغلب سكّان هذه المناطق لا يستعملون إلا البنزين المهرب، فيما تبدو محطّات بيع البنزين المحلية خالية من الزبائن غالباً، حتّى أنّ بعضها أغلق أبوابه. ويعرض البنزين المهرب من ليبيا في محافظات قابس ومدنين وتطاوين، وحتى المحافظات المجاورة لها بأسعار رخيصة مقارنة بتلك التي تعرضها محطّات البنزين، ما يدفع المواطنين إلى اللجوء إلى التجّار الذين يبيعون المحروقات الليبية، بل يعتبرونها أكثر جودة. ويقول سمير وهو سائق سيّارة أجرة في محافظة تطاوين إنّه لا يملأ خزان سيارته منذ سنوات إلا بالبنزين المهرب من ليبيا، ويشرح لـ”النهار العربي” أن ذلك أقلّ تكلفة من التوجّه إلى محطة بنزين تونسية، فسعر الليتر الواحد لا يتجاوز نصف دولار تقريباً فيما يقارب سعر ليتر البنزين في المسالك المنظمة دولاراً، كما يؤكد أن “البنزين الليبي” أكثر جودة. سلاح ذو حدينوعلى رغم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد التونسي بسبب نشاط التهريب على الحدود، فإنّه على خلاف مناطق كثيرة في تونس، لم يعان سكان مدن الجنوب التونسي، وخصوصاً تلك القريبة من حدود ليبيا، أزمة نقص المحروقات التي تكرّرت في البلد في أكثر من مناسبة العام الحالي.   لكن أسعار البنزين المهرب تتفاعل بدورها مع وضع المحروقات في البلد وترتفع بارتفاعه أو بنقص كمياتها. ويمثل البنزين المهرب بحسب أرقام كشفتها دراسة للبنك الدولي 17 في المئة من حجم الاستهلاك الإجمالي لتونس، أي ما قيمته 495 مليون ليتر سنوياً، ما يكشف حجم المأزق الذي قد تواجهه مواد المحروقات في حال تنفيذ ليبيا قرارها رفع الدعم. ويلفت النوري إلى أن تقلّص نشاط تهريب البنزين من ليبيا سيفقد كل المستفيدين منه مصادر رزقهم، وسيضع السلطات التونسية أمام تحديات جديدة بخصوص ملف المحروقات، لكنه قد يوفر للمالية العمومية موارد جديدة كانت تخسرها بسبب التهريب.

التعليقات معطلة.