د. نبيل نايلي
”نحن نموت هنا لا أمل لنا..ليس هناك إلاّ الوعود الزائفة ونحن سئمنا..هنا تجد فقط المقاهي تعجّ بالشبان العاطلين“. أحد الشبان المحتجّين مخاطبا رئيس الوزرء يوسف الشاهد.
حتى اليوم أفادت وزارة الداخلية أنها “اعتقلت 237 محتجّا -من بينهم من نعتتهم بالإسلاميين وواصفة كل المحتجين بالمشاغبين- بعد مهاجمة مقرات حكومية ومراكز شرطة وسرقة متاجر أثناء احتجاجات عنيفة في حين تعرضت مدرسة دينية يهودية لهجوم بالقنابل الحارقة”. مواجهات عنيفة تفجرت في حوالى 20 مدينة تونسية “احتجاجا على رفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة”.
المتحدث باسم وزارة الداخلية خليفة الشيباني، هو الآخر، صرّح أنه “وعقب هذه المواجهات العنيفة إن اعتقلت قوات الأمن 237 شخصا بتهمة التخريب والسرقة والاعتداء على ممتلكات خاصة وعامة”. وأضاف أن المعتقلين بينهم تكفيريين تورّطا في مهاجمة مركز للشرطة بنفزة شمالي البلاد”.
ورئيس الوزراء، يوسف الشاهد، الذي كان يزور بلدة طبربة التي شهدت أعنف المواجهات وقتل فيها شخص أثناء المواجهات، هاجم الجبهة الشعبية وقال إنها “غير مسؤولة وتحرّض على الفوضى” عقب يومين من موجة احتجاجات عنيفة اجتاحت البلاد على خلفية رفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة.
أما وزير الإصلاحات، توفيق الراجحي، فقد أعلن في البرلمان “أن الدولة لا يمكن أن تستجيب لكل مطالب واستحقاقات الثورة في التعليم والصحة والبنية التحتية في ظلّ الوضع المالي الحالي”! من المسؤول عن هذا الوضع سعادة الوزير؟
9 حكومات متعاقبة ثم نسبة مديونية مهولة ونسبة تضخّم غير مسبوقة وتهرّب جبائي خيالي فعجز تجاري فلكي وانزلاق للدينار مروّع وفساد مستفحل وبطالة واقتصاد موازي يتفاقم؟
أ لم تكن ومنذ السنوات الأولى كل المؤشّرات حمراء؟ بل كان أغلب خبراء الاقتصاد يقرعون نواقيس الخطر دون أن يسمع أحد! أو يكترث أحد؟
بربكم عن أي “حوار اجتماعي واقتصادي بين جميع الأطراف في البلاد شبيه بالحوار السياسي” هذ الذي يدعو له الطرف الرئيسي في الحكومة الحالية، حزب النهضة، والذي “سينهى الصراعات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين؟ أم ك”حوارها” مع النداء وما تمخض عنه من كوارث؟ عن أي “انتقال اقتصادي هذا الذي سيرافق الانتقال السياسي السلس″؟ تحدثنا “النهضة” وهي الشريكة الفعلية والأب الشرعي لإعادة رسكلة من لفظهم الجمهور وثار ضد برامجهم؟ وأوصل البلاد والعباد إلى ما هم عليه؟!
في قول مأثور منسوب للثائر والزعيم ما تسي تونغ يقول إن “من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده”! وهذا ما ينطبق على تونس التي انتفضت ضد الدكتاتورية والفساد والظلم والبطالة ثم جيء بمن هم أتعس بكثير من رموز النظام السابق ووجوه جديدة “ثورية جدا” أعطت وعودا خلال “حمُّاها الثورية” واستقطابها الشعبي وحملاتها الانتخابية ثم ما لبثت أن تنكرت لها تحت عناوين مختلفة منها الواقعية السياسية والـ”ريل بوليتيك” والفرق بين الثورة والسلطة ثم تصدّر رموز هم المصادرة على مطلوب الثورة ولا يستغربنّ أحد إلاّ ناكر أو جاحد ما نحن عليه الآن فقد دُقّت نواقيس الخطر منذ السفر الأول لهذا الحراك ثم كابر بعضهم أو تجاهل أو مضى بنفس الخيارات والسياسات والمناهج بأسماء وعناوين مختلفة منها هذا “النفاق الوطني”… والغباء – لمن لم يستوعب بعد- هو أن “نقوم بتكرار نفس الشيء ونتبع نفس الخطوات ثم ننتظر نتائج مختلفة”! مجرّد تغيير الوجوه مع المحافظة على نفس السياسات لا يصنع غدا ولا مستقبلا ولا يحل المشاكل العالقة. فقد تراجعنا على المستويات جميعها وأرقام التقارير المحايدة لا تكذب! من يصم أذنيه عن الشارع الهادر سيستفيق مؤكد على كوابيس الاحتجاجات ولن يشفع مجرد التخفي وراء فزاعة الأمن الوطني أو الوحدة الوطنية أو نعت من طالبوا بالمنكوث من العهود بالوفاء بها لا المضي في تعامي وانكار في اتباع سياسات يمليها صندوق النقد الدولي ووجوه هي عناوين الفشل!
كلمة أخيرة لهؤلاء المنتفضين ليلا، فلتكن تحرّكاتهم نهارا لكي تُرفع عنهم مسؤولية ما يجري باسمهم ولكي يُسحب البساط أخيرا من تحت هؤلاء الذين يجرمون الاحتجاجات باسم طغمة مأجورة تمارس النهب والسرقة بعلم وبدونه ولا علاقة لههم بالمطالب المشروعة!
ليشرح قادة التحرك ببرامج واضحة وخطوات ملموسة ما يدعون الناس إليه وليكفّوا فقط عن تشخيص الواقع الذي يتفق الجميع الجميع، على دمامته! يومها ويومها فقط يمكن لتونس أن “تبقى الدولة الصامدة” –سيد يوسف- وأن تعبر هذه المحنة وأن تعري الوجوه الحقيقية البشعة لهؤلاء التجار الكسبة –يمينا ووسطا ويسارا وأشباه قوميين ارتهنوا وخانوا وتنكروا لمثلهم– فيلفظون كالنواة! ويمضون ذكرى سيئة في مزبلة التاريخ!
“تونس بين رؤيا العزيز وكابوس كهنة المعبد”، عنوان استعرناه من الكاتب الصديق ماجد العكريمي، الذي كتب محقا: “سبع عجاف وشعب يحلم بسبع سنبلات خضر وسبع بقرات سمان بعدما جف الضرع ويبس الزرع ليستفيق كما نام ذات يوم على رائحة الاطارات المطاطية ومعاودة الفوضى إلى مسالك النهب والتخريب والخراب، وآخرين لم يستوعبوا الفصل الأول من المحنة ويحلمون بما تخيلوه يوما ثورة فإذا به مدخلا جديدا للاستعمار الجديد المتحكّم عن بعد بسفاراته ومخابراته والمال العفن.. لكني أحلم كغيري أن أرى يوسف يهدم المعبد على سدنته وأن أرى تباشير السنوات الخضر الموعودة”!