تونس… محطات لمعالجة مياه الصّرف كأحد الحلول لأزمة الجفاف

1

من مشاريع معالجة المياه المستعملة في تونس

استبشر التونسيون كثيراً بكميات الأمطار الكبيرة التي هطلت على بلادهم في الفترة الأخيرة على مدى أيام، وذلك بعد أشهر من الجفاف، أي منذ أمطار بداية الصيف الماضي التي فاجأت الجميع وملأت قليلاً السدود التي تعاني نقصاً فادحاً في منسوبها. عمّ تساقط الأمطار الأخيرة كل مناطق البلاد من دون استثناء، بما في ذلك الأقاليم الصحراوية في الجنوب، وأفادت منها الزراعات الكبرى في الشمال والوسط، و”الزياتين” المنتشرة في كل مكان، والأشجار المثمرة المنتجة للفواكه في مناطق الشمال الشرقي والوسط، وواحات النخيل في الجنوب، والزراعات السقوية في كامل البلاد، إضافة إلى الغابات التي عانت من الحرائق خلال الصيف الماضي. نسبة الامتلاء دون المأمولويؤكد متخصصون أن هذه الأمطار وإن كانت مفيدة للقطاع الفلاحي وساهمت في تحسين مخزون المائدة المائية، إلا أن نسبة امتلاء السدود ما زالت دون المأمول، ويجب على تونس ألا تكتفي فقط بأمطار قد تهطل وقد لا تتساقط بالنظر إلى التغيّرات المناخية. فإضافة إلى تعبئة الخزانات المائية الجيدة لمياه الأودية والحد من ذهابها هباءً إلى البحر، وإلى مشاريع تحلية مياه البحر التي انطلقت فيها تونس بعد، لا بد، بحسب هؤلاء المتخصصين، من معالجة المياه المستعملة، أو مياه الصرف، خصوصاً تلك تُستغل في القطاع الصناعي، وتحسين جودتها، من أجل إعادة استغلالها في القطاع الفلاحي أو في ريّ الحدائق العامة والخاصة أو في تنظيف السيارات والمنازل والطرق وغيرها. 

الاتجاه الصحيحوفي هذا الإطار يؤكد الناشط في المجتمع المدني في المجال البيئي وليد الزيناوي في حديث لـ”النهار العربي”، أن معالجة المياه المستعملة هي أحد الحلول الهامة التي يجب على تونس أن تسير فيها لإيجاد حل لمعضلة شح المياه التي تسببت فيها التغيرات المناخية على كوكب الأرض. ويعتقد الزيناوي أن القرض الأخير الذي وافق مجلس إدارة مجموعة البنك الأفريقي للتنمية على منحه لتونس لتنفيذ مشروع تحسين جودة المياه المستعملة المعالجة، هو من أجل بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ مثلما جاء في بيان البنك، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح. ويضيف أن “هذا المشروع سيمتد تنفيذه على أربع سنوات من سنة 2024 إلى سنة 2028 وسيجعل المياه المستعملة المعالجة متوافقة مع معايير إعادة استخدامها وسيساهم في الحد من مشكلة نقص المياه”. ويضيف: “بالتالي فقد اقترضنا هذه المرة من أجل إنجاز مشاريع ذات قدرة تنموية وتشغيلية وليس من أجل الاستهلاك ودفع أجور الموظفين، إذ سيخلق هذا المشروع قرابة 200 فرصة عمل موقتة و50 فرصة عمل مباشرة ودائمة و1000 فرصة عمل غير مباشرة. كما أننا سنساهم من خلال هذه المشاريع في المحافظة على بيئتنا سليمة نظيفة للأجيال المقبلة تماماً مثلما تسلمناها من الأجيال السابقة”. ويبدو أن محطات المعالجة الـ19 المنتشرة في 11 ولاية تونسية ستعمل بالطاقة الشمسية، وبالتالي سيتم تجديد المعدات الكهربائية الموجودة بها، وهو ما سيدعم التحول نحو الطاقات البديلة الذي انطلقت فيه تونس منذ فترة وتعطل كثيراً خلال العشرية السابقة. وبحسب ما توفر من معلومات، فإنه سيتم إنشاء مناطق للزراعات السقوية في محيط هذه المحطات، وذلك باستغلال المياه المعالجة والتي اتفق الخبراء والمتخصصون على أنها قادرة على إنتاج خضروات ذات جودة عالية. مشاريع استراتيجيةوتعتبر الصحافية التونسية المتخصصة في الشأن البيئي ليندا مقديش في حديث لـ”لنهار العربي”، أن مشاريع معالجة المياه المستعملة “هي مشاريع استراتيجية وهامة بالنسبة لتونس، باعتبارها حلاً من بين حلول عدة مقترحة لأزمة شح المياه. والقرض الجديد الممنوح من البنك الأفريقي للتنمية لتمويل هذه المشاريع البيئية هو القسط الثالث من مبلغ إجمالي لتمويل المشاريع المتعلقة بمياه الشرب من جهة، ومعالجة المياه المستعملة من جهة أخرى”، ويقدر هذا القرض بـ 400 مليون يورو أي قرابة 1.2 مليار دينار تونسي. وتضيف مقديش: “إذا تمكنت تونس يوماً ما من تأمين كل حاجاتها من مياه الشرب من خلال تحلية مياه البحر، وحاجاتها الأخرى من خلال المياه المعالجة، وإذا تمكنت من السيطرة على المياه المهدورة بسبب تقادم قنوات الشركة الوطنية لاستغلال المياه، وإذا أقامت مشاريع ألواح شمسية على سطح مياه السدود للحد من التبخر، وإذا قللت من نسبة مياه الأودية التي تذهب إلى البحر وأحكمت تخزينها، فلن نتحدث مستقبلاً عن أزمة شح مياه في تونس، ولن ينزعج التونسيون كثيراً من هطول الأمطار بكميات قليلة كما هو حاصل اليوم، وسيكون مآل تلك التساقطات، المائدة المائية التي ستُخزن فيها المياه للأجيال القادمة من التونسيين من دون أن يتم استنزاف تلك المائدة من خلال الآبار لسقي المزروعات مثلما هو حاصل اليوم”. لقد انطلقت المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بالمياه، سواء تعلق الأمر بتحلية مياه البحر أو بمعالجة المياه المستعملة، وإن كانت الطريق طويلة ولا نزال في البدايات، إلا أن المهم هو أن هناك وعياً بخطورة المرحلة وسعياً نحو إيجاد الحلول رغم محدودية الإمكانات. والمهم هو ألا يتوقف الإنجاز أو يتعطل مثلما هو حاصل لعدد من مشاريع البنى التحتية في تونس، إما نتيجة البيروقراطية المستفحلة في الإدارة التونسية أو نتيجة للفساد أو نتيجة لغياب السيولة المالية”.

التعليقات معطلة.