تونس… “مسار سعيّد” مستمرّ رغم المشاركة الضئيلة في أول انتخابات محلية

1

تونسي يدلي بصوته في العاصمة أمس الأحد. (أ ف ب)

 نظمت تونس الأحد انتخابات محلية هي الأولى من نوعها لم تعرف إقبالاً كبيراً على المشاركة فيها. وبحسب أرقام هيئة الانتخابات لم تتجاوز نسبة الاقتراع 11.66 بالمئة، ما يعني أن نحو مليون تونسي فقط أدلوا بأصواتهم الأحد، من أصل 9 ملايين يحق لهم الانتخاب. وهذه أوّل انتخابات محلية في تونس وتمهد لانتخاب الغرفة التشريعية الثانية في البلاد كما ينص دستور تونس الجديد الذي عرض على استفتاء شعبي في عام 2022، ومن المنتظر تنصيبها في حزيران (يونيو) 2024.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم الأحد بعد الادلاء بصوته إن هذه المجالس ستمهد لتشكيل المجالس الجهوية التي ستمهد بدورها لتنصيب مجلس الأقاليم والجهات.
وأضاف أن تجربة النظام القائم على غرفتين تشريعيتين معمول بها في دول عديدة وقد جربتها تونس أيضاً سابقاً. 

 ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الاقتراع في الانتخابات المحلية نسبة الاقتراع في الانتخابات التشريعية قبل نحو عام، إذ كانت في حدود 12 بالمئة، وهي أضعف نسبة تصويت في تاريخ تونس.
وتعزز النسبة الضعيفة للتصويت التوقعات التي كانت رجّحت تسجيل عزوف كبير عن المشاركة بعد حملة انتخابية وصفت بـ”الباهتة”. موقف سياسيوأثار ضعف نسبة المشاركة تساؤلات كثيرة واختلفت الآراء والتقييمات بشأنه بين المعارضة والموالين للرئيس سعيد.
وتعتبر المعارضة أن ضعف مشاركة التونسيين في هذه الانتخابات كغيرها من الاستحقاقات السابقة هو رسالة واضحة وموقف مما يجري في بلادهم، وثمة من سمّاه “العزوف العقابي”.
وتقول إن العزوف موقف سياسي يعكس رفض المقاطعين للمسار الذي يسعى الرئيس إلى تكريسه. 

 وكانت أحزاب المعارضة وفي مقدمها “جبهة الخلاص” التي تضم “حركة النهضة” قد أعلنت مقاطعتها للانتخابات المحلية ودعت عموم التونسيين لعدم المشاركة فيها. ووقعت 260 شخصية سياسية عريضة ضد هذه الانتخابات.
وترفض المعارضة التي دخلت في صدام مع سعيّد مشروعه السياسي وتقول إنه يرغب في تركيز حكم انفرادي يجمع فيه كل السلطات في يده، ويلغي وجود الأحزاب وكل الأجسام الوسيطة من المشهد السياسي.
نتيجة متوقعةلكن الموالين للرئيس سعيّد يفسرون الأمر على نحو مختلف.ويشدّد هؤلاء على أن المعارضة تحاول الاستثمار في ضعف نسبة المشاركة لتصويرها على أنّها “انتصار لها”، وفق تعبير المتحدث باسم حزب “التيار الشعبي” محسن النابتي (مقرب من سعيّد) لـ”النهار العربي” “في حين أن ذلك كان متوقعاً”.
ويوضح قائلاً “كناّ نعلم منذ البداية أن نسبة التصويت لن تكون كبيرة ولن تتجاوز في أقصى الحالات النسب المسجلة في الانتخابات التشريعية أو الاستفتاء على الدستور”.
ويرى أن التونسي فقد حماسته للاستحقاقات الانتخابية، فوفق تقديره “بعد الثورة كانت نسب المشاركة في الانتخابات مرتفعة لكن جميعها لم تحقق ما يطلبه التونسي الذي كان سقف تطلعاته عالياً ما أصابه بخيبة أمل كبيرة”.
ويعتبر أن العزوف عن التصويت في الاستحقاقات الانتخابية “هو عقاب لعشرية كاملة وليس موقفاً سياسياً”، قاصداً الفترة التي هيمنت فيها حركة “النهضة” الإسلامية على الحكم. 

 وبالنسبة للنابتي “فقدت الانتخابات بشكل عام معناها وجدواها بالنسبة للتونسي، لذلك لم يعد يبدي اهتماماً بها”.
لكنه في المقابل يرى أن ضعف نسبة المشاركة لن يغيّر شيئاً ولن يؤثر على تنصيب المجالس المحلية.
وكان رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر أكد أن ضعف نسبة المشاركة لن يؤثر على الخطوات اللاحقة التي ينص عليها الدستور الجديد.
وفي السياق يعتبر المحلل السياسي خليل الرقيق في حديث لـ”النهار العربي” أن “الانتخابات المحلية أعلنت رسمياً نهاية فترة الإسلاميين أو ما يعرف بـ”منظومة 24 يوليو” وأن أهم نتيجة لها هي التأكيد على أنّه لا عودة للوراء”.
عدالة تنمويةوفيما يقول الرئيس سعيّد إن هذه المجالس ستجسد سياسة القرب التي يرغب في تثبيتها وإنها ستساهم في لامركزية السلطة وتدفع عجلة الاستثمار ومشاريع التنمية في كل مناطق تونس، يشعر كثير من التونسيين بغموض صلاحيات هذه المجالس.وعبّر كثير منهم عن عدم إلمامهم بتفاصيل عملها لكن أغلبهم يأمل في أن تساعد على تحقيق التنمية.
ويقول سرحان الناصري رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” الداعم لهذه الانتخابات إن ذلك أمر عادي لأن هذه التجربة هي الأولى من نوعها في البلاد.
ويعتبر في حديث لـ”النهار العربي” أن وجود غرفتين تشريعيتين خطوة مهمة ستفصل بين الجانب التشريعي الذي سيختص به مجلس النواب، والجانب التنموي الذي سيكون من صلاحيات مجلس الأقاليم والجهات.
أما النابتي فيرى أن نجاح هذه التجربة رهن بتعاون الإدارة التونسية مع ممثلي المجالس المحلية، ويشدد على أن ثمار نجاحها ستظهر بعد خمس سنوات وستكون له انعكاسات هامة على حياة التونسيين، معتبراً أنها “فرصة لتدارك الأداء الضعيف لمجلس النواب الحالي وتجربة مهمة يجب مساندتها وإصلاح أخطائها لاحقاً”.ويلفت إلى أن أهم ما يُتوقّع من هذه المجالس هو تحقيق التنمية اللامركزية والعدالة بين المناطق والفئات، موضحاً أنه “طيلة تاريخ تونس لم تكن ثمة عدالة في التنمية بين المناطق وبين الفئات، واليوم مع اعتماد سياسة القرب قد يصبح ذلك ممكناً”.
ويبلغ عدد المجالس المحلية 279 بينما سيكون عدد المجالس الجهوية 24 مجلساً منها ستتكون 5 مجالس للأقاليم ستمهد لتنصيب مجلس الأقاليم والجهات المتكون من 77 عضواً.
وستُعلن نتائج الانتخابات يوم الثلثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، على أن يُجرى دور ثان في المراكز التي لم يفز مرشح فيها بالأغلبية.

التعليقات معطلة.