أحمد الحناكي
انتشرت في الآونة الأخيرة المقابلة التي أجراها الصحافي البريطاني الشهير تيم سباستيان في برنامجه «دائرة الخطر» مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ولاحظ من شاهد المقابلة أن الصحافي قد حاصر عريقات بالأسئلة وأحرجه كثيراً، متهماً السلطة الفلسطينية بأنها تعذب الفلسطينيين الذين يختلفون معها في سياستها.
من حيث المبدأ لا تستطيع الدفاع عن قضية خاسرة، وهناك الكثير مما يحدث في فلسطين المحتلة من قبل الفلسطينيين تجاه فلسطينيين آخرين، وتلك مأساة تضاف لمأساتهم الكبرى وهي أنهم يقعون تحت الجثمان الهائل من المحتل المستعمر الذي أذاقهم منذ الأربعينات في القرن الماضي وحتى الآن كل صنوف التنكيل والتعذيب والتدمير والتفجير والاغتيالات والتهجير والاضطهاد وسلب الأراضي، فهل هم بحاجة لمستبدين آخرين من بني جلدتهم؟!
من الصعوبة أن تكون عادلاً وأنت بالكاد تحكم جزءاً يسيراً من أرضك المسلوبة مع ضغوطات وحصار دائم من قبل دول الاحتلال، ومع ذلك علينا أن نتنبه لخطورة الصحافي البريطاني الذي يمثل شريحة كبيرة من الغربيين المهنيين والأكفاء والمنصفين، إلا عندما تكون الدولة المحتلة طرفاً آخر، عندها يختفي كل معنى للإنصاف.
قبل سنتين أجرى سباستيان حواراً مع رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله، ولو لم أشاهد الأسماء وقرأت المقابلة لظننت أن من يجري الحوار مع الحمدالله موظف متطرف من الكنيست وليس صحافياً محايداً، فهو يسأل عن كل ما تشتكي منه الدولة المحتلة وكأنما هو الناطق بلسانها ويطلق اتهامات ضد الفلسطينيين من دون أن يملك إثباتاً، ويشتكي من أن الإعلام الفلسطيني يهاجم دولة الاحتلال.
شاهدت حواراً أجراه سباستيان مع المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي جيمس كومي وكان طبيعة الحوار مختلفاً، فهو لا يقاطعه في الوقت الذي كان يقاطع فيه الفلسطينيين، ولا يحاول استفزاز ضيفه الأميركي بينما تعامل مع الفلسطينيين بشراسة.
أكرر مرة أخرى أنني لا أتعاطف مع السياسي الذي يمارس أخطاءً وانتهاكات ويتورط في لقاءات صحافية، لكن في المقابل يحزّ في النفس أن يمارس الإعلام الغربي سياسة الكيل بمكيالين، خاصة أنك تتعامل مع قوة كبيرة تمثلها الدولة المحتلة إزاء سلطة ضعيفة لا تملك حتى رواتب موظفيها.
إضافة لحواراته مع الفلسطينيين، قرأت حواره مع طاهر السُني المستشار السياسي لرئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق فايز السراج، وجرى الحوار على المنوال نفسه، المقاطعة والتكرار بين كل سؤال وسؤال بأن الليبيين قد فشلوا واستماتةً منه لإثبات ألا أمل لهم في تغيير هذه الانقسامات والحروب، والعامل المشترك بين مقابلاته الثلاث مع العرب هو الإصرار منه بأنهم فاشلون وألا آمال لديهم، والتركيز على أنهم لا يمكن أن يصبحوا بلداناً ديموقراطية، وهو تلميح خبيث إلى أن الدولة المحتلة هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
الأمر الأهم هو، ومع تسليمنا بأن الصحافي يجب أن يمسك العصا من المنتصف من دون تغليب الجانب العاطفي أو الشخصي بل المهني فقط، إلا أنه في المقابل يجب أن يفرق بين دولة احتلال وبين دولة محتلة (بضم الميم) تعيش تحت رحمة المحتلين وابتزازهم.
لا أنسى نقطة مهمة أخرى، هي أن الموافقة على الحوار مع سباستيان وغيره تحتاج لشخص متمرس يعرف كيف يقنع المشاهد، فهناك صحافيون يقلبون الحقائق، بينما يستطيع صاحب الخبرة واللغة في حالة الحوار مع غير العرب أن يدافع بحرارة عن قضاياه حتى لو شابها بعض الضعف، فما بالك وأنت تتحدث عن إحدى أكثر القضايا في التاريخ تنطق لصالح الفلسطينيين!