حسن فليح / محلل سياسي
التظاهرات الشعبية السلمية هي سلوك اجتماعي حضاري للضغط من اجل النظر بجديه للمطالب المشروعة للشعب وربما يقتضي الامر المطالبة بتعديل الخط السياسي وتصحيح المسار ، تظاهرات تشرين كانت تعبر عن غضب الشعب العراقي من السلوك السيء للحكومات المتعاقبة ومن الاداء السياسي الهزيل للاحزاب ،
حيث اتسمت التجربة السياسية بعد 2003 الى يومنا هذا بعدم الاستقرار وأنعدام الامن والخدمات وتفشي الفساد واتساع قاعدة الفقر والبطالة بين الشباب وتردي التعليم وتدخل دول الجوار بالشأن الداخلي للعراق ، لهذا تحولت من تظاهرات مطالبة ببعض الاصلاحات الى المطالبة بتغيير النظام وايجاد البديل الوطني بعد الفشل الذريع للبديل الدولي من الذين جائوا مع المحتل بمفاهيم وعلاقات ومخططات مشبوهه وعُقد نفسية لن يتخلو عنها الى يومنا هذا ، حيث انها مفاهيم وافكار دخيلة وغريبه على شعبنا وكانت هي الاساس في عملية الهدم وتخريب القيم وثقافة مجتمعنا واستهداف وحدته وللحمته الوطنية ومؤسسات الدولة ، يقول الاديب الشهير فكتور هوجو: ” الثورات ليست ابنة المصادفة بل إبنة الضرورة” لكن هذه “الضرورة” لا تتحول إلى ملموس واقعي مكتمل ومتحقق على الأرض دون إطار سياسي ذي حدٍ أدنى من التنظيم القيادي ، ومن هذا المنطلق على ثوار تشرين بلورة مشروع سياسي وطني يحظى باجماع شعبي وقبول دولي ، لكي يكون بديلا وطنيا عن منظومة الحكم الحالية ، ان نجاح ثورة تشرين كان باهرا ، وقد يسأل سائل مالذي حققته ثورة تشرين في العراق ؟ على الرغم من كل الذي حدث ضدها من تعاون دولي واقليمي ساهم بتشتيت جهود الثورة وتشظيها ألا انها كسرت حاجز الخوف وزرعت بذور الثورة واسست لها وحفزت العوامل الوطنية لدى شعبنا ، بعد ان عملت القوى السياسية على تغييبها وسيدت الخطاب الطائفي ليحل محلها ، وذلك يُعد انتقالة جوهرية بأعادة اللحمة الوطنية لشعبنا ، بعد تعرضها لهجمة شرسة كادت ان تقضي عليها ، وهذا وحده انجازا تاريخيا يُسجل للحراك الشعبي الوطني لثورة تشرين ، كما انها فضحت اقوى مؤامرة تعرض لها الوطن عبر تاريخة ، بافشال مخطط الطائفية التي بُذلت لاجله جهود سياسية ومخابراتية واموال لاحصر لها بمشاركة دولية واقليمية جميعها تحطمت امام ارادة تشرين ووعيها الوطني ، على المجتمع الدولي ان لا يخدعنا مرة اخرى ببيانات خجولة ومواقف غامضة كسابقاتها ، ساهمت بأجهاض الثورة ، على يد نظام سياسي جاءت به امريكا وتحت رعايتها حيث انها رعت نظام مليشاوي فاسد وتبعي ولازالت تتعامل معهُ ويحظى بالشرعية الدولية وبالدعم المباشر من قبلها !! في حين انه لايمت للعراقيين بصلة لابثقافتهم ولا بنظرتهم للحياة ولا بهمومهم ولا بتطلعاتهم في بناء حاضرهم ومستقبلهم ، وكان نظاما فاقد للمعايير الوطنية والشرعية الشعبية ، هذا السلوك السياسي الغامض والمجحف بحق العراقيين من قبل امريكا هو الذي مهد وشجع النظام ومليشاته وتحت رعايتها ، بقمع التظاهرات السلمية التي راح ضحيتها المئات من الشهداء والالاف من الجرحى على ايدي فرق الموت الايرانية ، دون حراك جدي من قبل المجتمع الدولي ودون واعز انساني بالتدخل لحقن الدماء وحماية الناس السلميين من القتل والملاحقة ، وجرت المذبحة امام انظار الجميع!!! ثورة تشرين تعدى تأثيرها حدود الوطن وباتت شعوب المنطقة تحذو حذوها ، فمن ثورة تشرين في العراق الى انتفاضة مهسى اميني في طهران الى الاحتجاجات الشعبية في سوريا وكذلك في لبنان ، كلها تحمل نفس الهموم والمعانات ونفس الغايات ونفس الاهداف ، يتطلب التنسيق وتزامن الاحتججات الشعبية فيما بينها ، كون هدف الاحتججات واحدة والمعانات واحدة التي اصابة شعوب ألدول انفة الذكر ، ان تلك المعانات لها فاعل واحد ومحرك واحد ، والتي يقف خلفها النظام الايراني وذيوله في المنطقة، وسط تهاون ادارة بايدن والمجتمع الدولي، التي جلبت الاذى والحرمان وهددت الاستقرار وصنعة الفوضى وأنتشار المخدرات وتردي الحياة المعيشية وانعدام السلم الاهلي في تلك البلدان من جراء غزو ايران السياسي والمليشاوي لها ، ولذي جرى ليس بعيدا عن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وانما تحت سمعهم وبصرهم ويتحملون المسؤولية التاريخية عن ذلك ، ومن المعيب على المجتمع الدولي ان يتعامل بهذا الاجحاف وبهذه السياسة غير المقبولة وغير الحضارية التي اوصلت الشعوب الى انعدام ثقتها بالمجتمع الدولي الذي يدعي ويتفاخر انه مع حقوق الانسان وأنه مع حرية الشعوب بتقرير مصيرها ، اذ ثبت بحكم تجربتنا بطلان حقيقتهما واثبات زيفهما، مُطالبة الولايات المتحدة اكثر من اي وقت مضى باثبات العكس وعليها ان تتوافق
مع شعاراتها التي طالما أستخدمتها للتدخل السياسي والعسكري حتى وصل بها الامر لشن الحروب واحتلال البلدان وتدميرها بمضلة تلك الشعارات ، وسرعان ماينجلي غبار الاحداث حتى نكتشف ان تلك الشعارات مجرد وهم وتجد الشعوب نفسها في متاهه من امرها ومتاهه في حاضرها ومستقبلها !! يتطلع العراقيون والشعوب المنتفضة الى المجتمع الدولي القيام بمسؤلياته بالدعم وعدم التخلي هذه المرة وذلك بعدم السماح للنظام بايران والانظمة التابعة له في العراق وسوريا ولبنان بقمع التظاهرات مجددا ، ولابد من العمل من الان على اقامة الشراكة الحقيقية مع الشعوب لضمان مصالحكم وليس مع الانظمة الفاسدة والاسبتدادية ، علما ان تلك السياسة هي التي تعرض مصالحكم للخطر حاضرا ومستقبلا ، ان الوضع السياسي والامني المتفجر بالمنطقة يستدعي من المجتمع الدولي التعامل معه بجدية بالغة ، قبل فوات الاوان وقبل ان تعم الفوضى التي لاحصر لها ، اذ يقتضي القيام بأحتواء الامر والتعاون الفعلي مع الشعوب الغاضبة والثائرة والمطالبة بالتغيير لتحسين حياتها وضمان مستقبلها واستقرارها وبنفس الوقت المتفهمة لطبيعة المصالح المشتركة التي تربط مصالح الامم والشعوب الاخرى مع دول وشعوب منطقتنا ، ويكفينا منكم نزع الشرعية الدولية عن تلك الانظمة وعدم الاعتراف بها وقطع التعامل معها والتخلي الكامل عنهما ، حينها يصبحون اهدافا سهلة امام شعوبهم للتحرر والخلاص .