أيمن حسين
تستعد تونس لاستضافة الدورة الثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية، وسط سيل من القضايا والأزمات التي تعيشها العديد من الدول العربية التي تطوق للأمن والاستقرار بعد أن تكالبت عليها قوى العالم تحاول استنزاف قوتها وسلب ثرواتها تحت مزاعم البحث عن حلول سلمية للصراعات المشتعلة في ليبيا وسوريا واليمن وغيرهم، ما يجعل على جامعة الدول العربية أن تبحث عن دور حقيقي وسط هذا الركام من الأزمات، ليس فقط من أجل إيجاد حلول لقضايا المنطقة والتخلص من الأزمات، ولكن من أجل أن تستعيد الثقة وتحول بين هذه القوى وبين استغلال حالة الضعف العربي التي نعيشها هذه الأيام لتقسيم المنطقة وتفتيتها بهذا الشكل الذي نراه اليوم، والذي يشتد فيه الصراع بين القوى الداخلية للدرجة التي تقضي ليس فقط على الدولة وإنما كذلك على الشعوب.
إن قوة جامعة الدول العربية من قوة كل دولة في المنطقة، لذا ليس من مصلحة أحد أن تستمر حالة الضعف الشديد التي تحياها الجامعة هذه الأيام، بعد أن أصبحت مجرد مكان لإصدار بيانات الإدانة ليس إلا، دون أن تقدر على تحقيق تقدم ملموس في قضية من القضايا المثارة في المنطقة، وبعد أن تحولت قممها إلى مجرد اجتماع لا يثمن ولا يغني من جوع، وبعد أن فقدت الجماهير العربية الثقة في إمكانية الوصول لحلول للصراعات الدائرة من خلال جامعة الدول العربية.
لقد تحدث العديد من الخبراء وأصحاب الفكر والرأي عن كيفية تطوير مؤسسات الجامعة وبث الروح فيها من جديد، واكتظت أرفف المكتبات بالكتب والمجلدات التي تتحدث عن الجامعة وأهمية دورها في حل الصراعات وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وعند كل قمة عربية لا تتوقف الكتابات الصحفية حول أهمية تطوير الجامعة وتفعيل دورها في حل القضايا الخلافية داخل وبين الدول العربية، إلا أنه حتى اليوم لا تتوفر الإرادة الحقيقية لتطوير الجامعة وتفعيل دورها في الذود عن المصالح العربية، والقيام بوضع حلول حقيقية للصراع الدائرة وإلزام كافة الأطراف بتنفيذها، ولا يعرف على وجه الدقة السبب الحقيقي في ذلك، خصوصا وأن المصلحة العليا للأمة تتطلب الإسراع في تفعيل دور الجامعة.
إن قوة أميركا في اتحاد ولاياتها وقوة الغرب في اتحاد دوله، وقوة العرب في اتحادهم المتمثل في جامعة الدول العربية، الوعاء الجامع لكل العرب، والقادرة في حال تصحيح مسارها على تحويل ضعف العرب إلى قوة، ووضع حلول عملية لخلافاتهم المتصاعدة، ومنع الغرب والقوى الأخرى من التدخل في الصراعات الدائرة في المنطقة وزيادة إشعالها، فلولا التدخل الأميركي في العراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لما وصلت الأوضاع لما هي عليه.
وللأسف الشديد ما زال التدخل الغربي في شؤون المنطقة على أشده ولم يقل بالرغم من تصريحات الرئيس الأميركي الخاصة بالانسحاب من المنطقة، لما لذلك من ضرر على مصالحهم ومستقبل وجودهم، الأمر الذي يجعل الأوضاع في المنطقة على صفيح ساخن، ويزيد من اشتعال الصراعات.
لذلك إذ لم تفعل قمة تونس المقبلة سوى أنها تعيد لجامعة الدول العربية دورها الحقيقي، فإن ذلك يعد من أكبر المكاسب التي تحتاجها الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها، خصوصا بعد أن تأزمت الأمور في المنطقة، وبتنا على بعد خطوات من صفقة القرن التي يراد من خلالها القضاء على القضية الفلسطينية وتحويل إسرائيل إلى دولة يحسب لها حساب، وبعد أن بات شبح التقسيم يخيم على العديد من الدول، فالوحدة هي الحل، ولن تحدث الوحدة الحقيقية إلا بعد تقوية جامعة الدول العربية واستعادة دورها من جديد.
أيمن حسين
كاتب صحفي وباحث اقتصاد وعلوم سياسية