كتب / اسيا العتروس
بداية اعترف بأني لا أملك الشجاعة لمتابعة احداث فيديو متوحش لمجموعة من الوحوش حتى وان ارتدت ثوب الادميين …ولا أملك القوة لاأنقل طريقة قطع ثديي مقاتلة كردية هي المرأة والام والاخت والبنت و الحفيدة و الصديقة قبل ان تكون رمزا لقضية أقليات تبحث لها عن موقع على الخارطة الحروب المحمومة في المنطقة …وحتى بعد أن قرأت تفاصيل العملية لا تزال مخيلتي ترفض أحداثها فطعم لبن ثدي أمي لا يزال بين شفتي بعد كل هذه السنوات ..وطبعي يعجزعن فهم كل هذا التوحش الذي يعجزفرانكشتاين بل ويعجز الشيطان ذاته ..
جثمان بارين كوباني شهيدة ظلم العدالة الدولية العاجزة ليس سوى تشخيص لخارطة عالمنا العربي كما لم يكن بامكان أحد توقعها منتهكة مستباحة مهانة مداسة بكل انواع النعال الملعونة …
ما الذي ينقص الدول العربية حتى تقطع مع هذا المشهد ؟لا شيء باستثناء بعض الايدي النظيفة على حد تعبير غوار الطوشي في مسرحية على نخبك ياوطن التي كانت سباقة في استقراء الانهيار الذي يزحف الى المنطقة العربية ..
يكاد الفيديوالمسرب عن جثة المقاتلة الكردية التي تم التنكيل بجسدها يختزل واقع المنطقة بأسرها بعد أن باتت مستباحة لعبث وحسابات المتناحرين فيها … بارين كوبانى المقاتلة الكردية التي اجتمع للتمثيل بجثتها عشرة من المقاتلين ليست سوى مشهد من مشاهد عديدة تؤكد أن توحش البشرلا حدود له .طبعا لا يمكن استثناء عملية غصن الزيتون من المسؤولية فيما حدث وهي مسؤولية في الحقيقة تتجاوزحدود القرار التركي في التدخل في سوريا التي تحولت اليوم الى مرتع لاحتلال متعدد الاطراف يجمع أمريكا و روسيا و تركيا وايران دون اعتبار للتحالف الدولي ..
الواقع أن ما أقدم عليه الارهابيون الذين استباحوا جثة المقاتلة الكردية بارين كوبانى ونكلوا بها أشنع تنكيل في عفرين لا يختلف في شيئ عن كل الذي ارتكبوه من سبقوهم من عناصر التنظيم الارهابي لداعش وما اقترفوه في سوريا والعراق ..غصن الزيتون الذي اطلقت سهامه تركيا بات يقطر دما ..ولاشيئ يؤشر حتى الان الى قرب توقف النزيف الذي يجرف المنطقة المتهاوية بعد أن تعددت عمليات الاختراق التي استهدفتها ..في كل ذلك تظل المفاوضات السورية من سوتشي الى استانا الى جنيف أشبه بمن يحرث في الماء حيث تشهد لغة الارقام وحدها عن حجم المأساة والمعاناة الانسانية المستمرة عندما يتحول الاجؤون والمشردون و الضحايا الى مجرد رقم في سجلات وكالات غوث الاجئين في انتظار رغيف من الخبز وخيمة يحتمون بها …و في ظل هذا المشهد يستمر الاعداد للمؤتمر المرتقب لاعادة اعمارالعراق الذي تحتضنه الكويت خلال أيام والذي تتطلع الادارة الامريكية الى نتائجه على امل ان تؤمن الدول المانحة المبلغ المطلوب لاعادة اعمارهذا البلد بعد الخراب و الدمار الذي لحقه على مدى اكثر من عقد و نصف منذ الاجتياح الامريكي الذي شرع الابواب للصراعات والحروب الطائفية في العراق وزرع بذورالشبكات الارهابية المتسللة من الجبال والمغاورالافغانية اليه … طبعا لا أحد يتوقع أن تتنافس الاطراف التي اشتركت في تركيع العراق على المساهمة في عملية اعادة البناء والارجح أنها ستحرص على الفوز بصفقات اعادة الاعماروالبناء ولكن ما هو متوقع أن يسدد الكويت النصيب الاكبر من عملية اعادة الاعمارالمقدرة حتى الان بمائة ملياردولار تماما كما حدث قبل سنتين في مؤتمرالاجئين السوريين الاول ثم الثاني والذي قد لا يتضح أين وكيف صرفت الاموال التي خصصت للاجئين السوريين الذين يموتون بسبب الثلج على الحدود السورية اللبنانية ويموتون على متن قوارب الموت في البحرالمتوسط …
لا خلاف اليوم أن حالة الاوعي والانصراف الى التشفي والانتقام التي تدفع بالدول العربية الى التدميرالذاتي واستنزاف بعضها البعض تجر شعوب المنطقة الى انهيار وشيك و تدمير ما بقي من أوطان باتت تعرض في المزاد العلني …ولاشك أن ما يحدث اليوم في سوريا و العراق وما يعيش على وقعه اليمن الذي يسجل اسوا كارثة انسانية يشهدها العالم ليس سوى نتاج خيارات استسلامية انساقت لها الانظمة العربية التي أثبتت عجزها في استباق المخاطر وفشلت في مواجهة ازماتها و قضاياها وصراعاتها العربية العربية وتعمدت اختيار سياسة الهروب الى الامام واللجوء الى القوى الاقليمية و الدولية لحل خلافاتها …فكانت ام الكوارث عملية اجتياح الكويت التي شرعت الابواب لاجتياح العراق وعسكرة المنطقة وتحويلها الى مخبرعسكري تتقاسمه القواعد العسكرية الاجنبية …فكانت النتيجة تدميرالعراق قبل أن تتمكن منه الشبكات الارهابية وتنظيم “داعش”انطلاقا من الموصل الى الرقة ..
الواقع أيضا أنه كما اشترك ارهابيو “داعش” وغيره في استباحة العراق وتنافسوا على اهانة نساءه واستعباد أطفاله وحرق خيراته فقد اشترك مقاتلو عفرين في استباحة واهانة انسانية الانسان وكرامته ..ولكن ربما نسي الارهابيون في غمرة التوحش أنه لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها وان بارين كوباني ستظل عنوانا لشرف لا يعرفونه …وأنه مهما كانت الاسباب والدوافع التي دفعت بها الى قلب المعارك ومهما كان الاختلاف بشأن عدالة وشرعية القضية التي التزمت بالدفاع عنها فقد كانت عنوان القوة والشجاعة وعنوان الرجولة في أرقى معانيها والتي لا يعرفونها و هي غير الفحولة التي يعتبرونها بطاقة العبور الى الجنة و الفوز بحور العين ..
وبعد مؤتمرات اعادة اعمار افغانستان التي لم يكتب لها الاعمار , وفي انتظارمؤتمراعادة اعمارالعراق, ولاحقا مؤتمراعادة اعمارليبيا واعادة اعمار سوريا , يبقى الواضح أن الالة العسكرية الامريكية والاطلسية التي تشترك في نشرالخراب والدمارستتخلف لتترك عملية الاعمار واعادة البناء للاطراف المانحة فيما يقتصرالدور الامريكي على الترحيب والتاكيد على أهمية الدور الكويتي في احتضان مؤتمراعادة اعمار العراق …هكذا هو الحال في بقية من اوطان تبحث عن سماسرة جدد لاعادة اعمارما هدمه سماسرة سابقون …
وبعد عقد ونصف على اجتياح العراق لا يزال بلاد الرافدين يتعثر في اعادة ترتيب البيت الذي تعددت شقوقه و ثقوبه وتواترت الاختراقات عليه من كل جانب حتى بات مرتعا للقاعدة وما تفرع عنها من شبكات وجماعات وعصابات مسلحة لم تترك اسما من اسماء الخلفاء الراشدين والصحابة الا واتخذته غطاء لها للتدمير ونشر الفوضى والظلامية ..
ما الذي ينقص العراق حتى يعيد بناء ما تهدم وينجح فيما نجح فيه اليابان والمانيا من قبل ؟ الاكيد أنه لا شيئ ينقص العراق سوى بعض الايدي النظيفة والنوايا الصادقة والحكمة التائهة للاستفادة ولومن نصيب يسير من من عائدات أموال العراق التي تستثمر في الخارج