أحمد الحناكي
القمع والاستبداد صفتان لا يمكن أن يتقبلهما إلا شخص سادي مريض نفسياً، وعليه فإن التاريخ علمنا أن القادة الذين قمعوا شعوبهم، سواء بالقتل أم بالسجن والتعذيب، ينتمون لفئة المرضى النفسيين.
في الدول العربية تتفاوت مراحل السجن والتعذيب، سواء خلال فترات زمنية معينة أم دول معينة، غير أن الدول هذه تظل غير ديموقراطية ولا تزعم لنفسها بذلك، وبالتالي فلن ننتظر سلوكا مثالياً. بينما الأمر مختلف عندما يحدث ذلك في بلد كأميركا أو دول أوروبية، إذ إن لها إرث كبير في الديموقراطية وقوانينها تمنع التعذيب تماماً وترفض السجن إلا بقرار من المحكمة التي لا تصدر مذكرة اعتقال بسهولة، وكثير مما تعتبره الدول غير الديموقراطية جرائم تستحق القتل أو السجن لمدة طويلة، لا يعدو كونه خطأً صغيراً في الدول الديموقراطية، بل حتى أقل من ذلك، وبعضها يعدونه نوع من الحريات.
أسباب السجن تختلف، إذ إن منها ما هو بسبب سياسي أو اجتماعي أو ديني أو ارهابي، وفي أميركا تحديداً اخترع الساسة هناك – بمشورة من القطاعات الأمنية – إجراءات أمنية مشددة، متجاهلين الحقوق المدنية والدستورية بعد أحداث الـ11 من أيلول (سبتمبر) 2001، في حملة اعتقالات وتحقيقات وإيقافات من دون وجه حق قانوني. وفضلاً عن ذلك، فقد أقاموا معتقل غوانتانامو على جزيرة كوبية بالمسمى نفسه، وكدّسوا فيه المئات ممن يعتقلونهم في حربهم على الإرهاب.
في غوانتانامو يمارس المحققون الأميركيون «ساديتهم» على المعتقلين من دون اكتراث في احتمالية براءتهم، إذ لا يخشون المحاكم الأميركية كونهم خارج أميركا. بعد إقامة المعتقل «البشع» بعد أحداث سبتمبر، وبالتحديد في كانون الثاني (يناير) 2002 بلغ أعداد المعتقلين 779، وفي أيار (مايو) 2018 أصبح العدد 40 معتقلاً، مع الإشارة إلى أن أكثر من 150 معتقلاً كانوا هناك من دون توجيه أي تهمة، وسبق أن ذكرت مجلة تايم الأميركية أن هناك أطفالاً في هذا المعتقل، وأكدت أن تعذيباً مورس ضد المعتقلين، مخالفين بذلك كل القوانين العالمية الرافضة للتعذيب.
لعل قصة المهندس الموريتاني محمدو ولد صلاحي مأساة إنسانية مؤلمة ومعبرة عمّا يواجهه السجناء في الجزيرة المرعبة، فهذا المعتقل سجن ظلماً لمدة 14 عاماً كتب خلالها يومياته باسم: «يوميات غوانتانامو»، وذكر الصحافي غلين غرينوولد في صحيفة الغارديان أن كل من يقرأ «يوميات غوانتانامو» – وهذا ما يجب أن يفعله كل أميركي يمتلك ذرة ضمير – سينتابه الخجل والرعب، بينما كتب المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الأميركية أنطوني روميرو عن المذكرات: «قصة مزعجة ومثيرة للقلق، حاولت حكومة الولايات المتحدة إخفائها. سنوات محنة محمدو ولد صلاحي تهز الضمير بلا شك»، وفي غلاف الكتاب الأمامي قال مراسل برنامج 60 دقيقة: «إنها وثيقة لا تصدق.. قصة من الجحيم».
شرح صلاحي كيف تم القبض عليه أكثر من مرة والتحقيق معه، ثم إطلاق سراحه ليعاودوا القبض عليه في المرة الأخيرة التي قضى فيها في معتقله مدة 14 عاماً، وتضمنت مذكراته المرارة والرعب والألم الذي عاشه، كونه لم يتهم رسميا بأي تهمة، وكونهم لا يدعونه ينام، إذ تتناوب عليه ثلاث فرق من المحققين طوال الـ24 ساعة، وكونهم في التحقيقات قد تحرشوا به جنسياً عن طريق محققات أميركيات، والطامة الكبرى عندما كذبوا عليه عندما زعموا أنهم سيجلبون والدته من موريتانيا إما لسجنها أو تعذيبها، الأمر الذي دعاه بأن يعترف بما يريدونه صدقاً أو كذباً، فقط كي يحمي والدته.
عام 2010 وبعد وصوله للقاضي واستماعه لقصته أمر بإطلاق سراحه، لكن إدارة أوباما عارضت هذا القرار ولم يتم إطلاق سراحه النهائي إلا عام 2016.
كنت أتمنى لو أن الساسة الأميركيين الذين ملأوا الدنيا صراخاً بالحديث عن قضية المرحوم جمال خاشقجي أفسحوا المجال قليلاً لـ«إنسانيتهم» أن تمارس دورها وتغلق المعسكر المرعب الذي بنته دولتهم من دون وجه حق أو قانون.