تشكل محاولات التسلل من الأردن إلى إسرائيل، ولا سيما التي ترتبط بتهريب أسلحة، هاجساً مقلقاً للدولة العبرية يدفعها بين الفترة والأخرى إلى إعادة طرح فكرة بناء جدار أو سياج حدودي، كان آخرها في أعقاب إعلان تل أبيب عن اعتقال شابين قالت إنهما تسللا عبر المملكة لتنفيذ عملية مسلحة.
وتعود طروحات الجدار إسرائيلياً إلى قبل ما يقرب عقدين من الزمن، وتجددت بعد ذلك غير مرة، إلا أن الأمر يصطدم بمعوّقات وتحديات، أبرزها تكلفة إنشائه الباهظة، بالإضافة إلى اعتبارات تتعلق بالموقفين الأردني والفلسطيني منه، وأخرى ترتبط بأبعاد بيئية سلبية ومخاطر على المياه الجوفية.
ويعلق في الذاكرة واحدة من أبرز عمليات التهريب التي وقعت في نيسان (أبريل) من العام الماضي، واتهمت فيها إسرائيل نائباً أردنياً بمحاولة تهريب كميات كبيرة من الأسلحة والذهب، وألقت القبض عليه قبل أن تسلمه لاحقاً إلى السلطات الأردنية التي أحالته إلى المحاكمة بعدما تم رفع الحصانة البرلمانية عنه بطلب من محكمة أمن الدولة ومعه 13 شخصاً آخرين، حيث يقبع في السجن بتهم تصدير وبيع أسلحة نارية بقصد استخدامها على وجه غير مشروع والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض أمن وسلامة المجتمع للخطر.
التخفيف من القوى البشرية
وعن ذلك يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الركن المتقاعد عبدالله الحسنات، إن “لا قرار إسرائيلياً نهائياً بشأن ذلك الجدار أو السياج”، مشيراً إلى أن “الأمر يراوح مكانه منذ سنوات، والهدف من إنشائه أصلاً هو منع محاولات التسلل ومنع التهريب ولا سيما الأسلحة، أو أي نشاط مسلح”.
ويضيف الحسنات لـ”النهار العربي” أن “إسرائيل وضعت منذ زمن سياجاً إلكترونياً على جزء من الحدود مع الأردن، لكنه لا يغطي كامل الحدود البالغة مساحتها نحو 360 كيلومتراً”، لافتاً إلى أن “أحد المعوّقات أمام استكماله هو تكلفته المالية العالية جداً، إذ تبلغ تكلفة الكيلومتر الواحد ما يقارب مليون دولار”.
ويؤكد أن “إسرائيل لا تعتمد على القوى البشرية في مراقبة الحدود قدر اعتمادها على الوسائل الإلكترونية، بمعنى أنها تنشر أجهزة إلكترونية عليها كاميرات ومجسات مع وجود غرف قيادة وسيطرة في مناطق معينة، فأي جسم يلامس السياج ترسل المجسات إشارة لغرف التحكم، فتتحرك بالتالي قوات رد الفعل السريع إلى المكان”.
ووفق الحسنات، “تستخدم إسرائيل تلك الأجهزة والأسوجة للتخفيف من القوى البشرية بالدرجة الأولى، فضلاً عن أنها أكثر فاعلية من الجنود، خصوصاً عندما تكون الحدود طويلة، وكذلك أثبتت أنظمة المراقبة الإلكترونية المزودة بأحداث تكنولوجيا نجاعتها في الكثير من التجارب، إذ إن نسبة فشلها متدنية نوعاً ما رغم ما حصل يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إذ فشلت في بعض الأجزاء وتم اختراقها من قبل المقاومة الفلسطينية”.
ويشير إلى أن “إسرائيل في حال بنت الجدار أو السياج سيكون بالتأكيد داخل حدود الأراضي التي تحتلها بالرغم من الحاجة للتنسيق، خصوصاً أن الكاميرات التي تستخدم هي كاميرات قصيرة المدى وليست بعيدة المدى”، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن “السياج الإلكتروني له عمق تحت الأرض قد يصل إلى 6 أمتار حسب خطورة المنطقة، ويصل الارتفاع في بعض المناطق إلى 10 أمتار، وله مواصفات مثل عدة طبقات والأسلاك الشائكة الحلزونية والكاميرات والمجسات ومرتبط بغرف تحكم تبعد عن بعضها بعض الكيلومترات”.
العقيدة الأمنية لإسرائيل
ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك الدكتور محمد خير الجروان، فإنه “عند النظر إلى سياسة الجدران نجدها متأصلة في العقيدة الأمنية لحكومة الاحتلال، وهي نابعة من مآزق أمنية داخلية وخارجية”.
ويضيف الجروان لـ”النهار العربي” أنه “لا يخفى على المراقب الأسباب والمسوغات التي وظفتها حكومات الاحتلال المتعاقبة لبناء الجدران الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى الحدود مع مصر ولبنان وسوريا والأردن، وبمجملها عبرت عن هاجس أمني عميق لدى دولة الاحتلال ومخاوفها حسب تعبيرها من الهجمات الداخلية وتهريب الأسلحة والمخدرات وتدفق المهاجرين عبر الحدود”.
و”رغم وجود سياج قديم على الحدود مع الأردن”، يقول الجروان، “إلا أن إسرائيل أعلنت طوال السنوات الماضية عن إحباطها لعمليات تهريب أسلحة عبر الحدود مع الأردن، وكان آخرها حسب المزاعم الإسرائيلية في تموز (يوليو) 2023 عندما صرحت حكومة الاحتلال عن إحباط عملية تهريب أسلحة إيرانية من وادي الأردن جنوب بحيرة طبريا، والتي أشار لها (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو عندما أعاد طرح مشروع الجدار الأمني الجديد مع الأردن في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي”.
“انتهاك للسيادة الأردنية”
ويؤكد أنه “من غير المستغرب أن إعادة طرح هذا المشروع جاءت بعد احتجاجات واسعة من قبل المهاجرين الأفارقة في تل أبيب، في إشارة وتسويق لنجاح الجدار الأمني الإسرائيلي على الحدود المصرية في الحد من التحديات الأمنية لتدفق المهاجرين غير الشرعيين عبرها، غير أن الدافع الرئيسي لمشروع الجدار الأمني الجديد مع الأردن هو منع تهريب الأسلحة والمخدرات، وتقليل مخاطر تسلل “الجماعات الإرهابية” التي تعتبر الضفة الغربية والحدود الأردنية خاصرة رخوة لإسرائيل، حسب تصريحات حكومة الاحتلال”.
ويقول الجروان: “يواجه تنفيذ هذا المشروع معضلات عديدة أهمها تكلفة المشروع المقدرة بملياري دولار قياساً بمبلغ 88 مليون دولار أنفقتها على تشييد مساحة بلغت 30 كلم على الحدود مع الأردن بالقرب من إيلات وأقصى جنوب مطار رامون الدولي الجديد”.
وبشأن الموقف الأردني، يضيف: “تعتبر الحكومة الأردنية أن مشروع الجدار الأمني المطروح بمثابة انتهاك لسيادتها، وفي الوقت نفسه رسالة مبطنة مفادها تمسك إسرائيل بالمحافظة على الوضع الراهن في الضفة الغربية وعدم جديتها في المضي بمسار السلام وحل الدولتين، وهذا مدفوع برفض شعبي واسع وتأييد لموقف الحكومة الأردنية في تعاملها مع التحديات التي يمكن أن يفرضها هذا الجدار على طول حدودها مع الاحتلال والضفة الغربية التي ستصبح إلى حد كبير معزولة وخاضعة بشكل أكبر لسياسات الاحتلال ومخططاته التوسعية”.