اخبار سياسية مقالات

جدال “النصّ ورقة” في تونس يعود… لماذا يريد المدرّس معرفة مهنة الأب؟

 المصدر: النهار العربي تونس-كريمة دغراش

صف مدرسي في تونس.

كل سنة مع اقتراب العودة إلى المدارس، يدور جدال كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وحتّى في الأوساط التربوية والتعليمية، بشأن تقليد يمارسه قسم كبير من المدرسين في أوّل يوم دراسي من العام الجديد.
التقليد الذي توارثته أجيال متتالية من المدرسين والطلاب يتمثّل في تدوين الطالب معلومات على نصف ورقة، يجيب من خلالها عن جملة من الأسئلة يطرحها مدرّسه وتتعلق بمعطيات شخصيّة وعائليّة. وعادة ما يخصّص المدرسون الحصّة الأولى من كلّ عام دراسي جديد للتعرف إلى طلابهم، فيطرحون عليهم مجموعة من الأسئلة أبرزها وأهمّها مهنة الأب. ووفق هذا العرف، على التلميذ أن يكتب أجوبته على نصف ورقة يسلّمها لمدرّسه الذي يقوم بعد جمعها بالمناداة على أصحابها للتعرف إليهم أمام بقية طلاب الفصل.  

أذى نفسي

وغالباً ما كان هذا التقليد محلّ انتقادات واسعة من طرف كثيرين أشاروا إلى سلبياته العديدة. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كتب كثيرون منتقدين التقليد الذي صار الجميع يسمّيه “نصّ الورقة” (نصف الورقة)، مشيرين إلى أنّه يخلّف أذى نفسياً للطالب الذي ينتمي إلى أسرة فقيرة ولا يكون والده من أصحاب الوظائف المرموقة، أو للطالب الذي فقد والده فيشعر بيتمه مرة أخرى في تلك اللحظة، وفق ما كتبت سيّدة اسمها انتصار على “فايسبوك”. وثمة انتقادات تسأل عن الغاية الحقيقية من هذا التقليد، واعتبر معلّقون أنّ المدرسين صاروا يحرصون على معرفة مهن أولياء طلابهم من أجل دفع الميسورين منهم نحو طلب الالتحاق بحصص الدروس الخصوصية التي سيقدمونها لاحقاً خارج أسوار المدرسة. وقالت سيدة اسمها منى: “نص الورقة فخّ لصيد تلاميذ الأوتيد (دروس التدارك)”. ويطالب أصحاب هذا الرأي وزارة التربية في تونس بإصدار أمر قانوني يمنع هذا التقليد “حماية للتلميذ”، كما يؤكد أغلبهم، وباعتباره “ممارسة متخلفة” كما يصفه أغلب منتقديه. ويتذمّر الأولياء من ظاهرة الدروس الخصوصية التي لا يزال قسم كبير من المدرّسين يقدّمونها، على رغم كل الإجراءات التي أقرتها وزارة التربية لمنعها بعد شكاوى من كونها تثقل كاهل الأسر بتكلفتها المرتفعة. عمليّة تواصللكنّ كثيراً من المتخصصين في الشأن التربوي يدافعون عن هذا التقليد، الذي رفض الباحث في علم الاجتماع والتربية منذر العافي في تصريح لـ”النهار العربي” وصفه بـ”الظاهرة”، موضحاً أن ذلك يحمل منحى تعميمياً لا ينقل الواقع بدقّة. 

ويقول العافي إنّ العملية التربوية تخضع للتواصل بين المدرس والتلميذ، وإنّ كل مدرس يجتهد في اختيار الطريقة التي يراها مناسبة للتواصل مع طلابه بحسب تجربته وخبرته البيداغوجية.
ويضيف أنّ المدرس يحاول التعرف إلى تلميذه من خلال أسرته، معتبراً أن هذه المسألة مهمة لأنها سترسم طريقة تعامله معه مستقبلاً، وتجعله أكثر تفهماً لبعض خصوصياته وتمكنه من تأطيره اجتماعياً. ويقول العافي إن التعرف إلى وليّ الأمر والتواصل معه باستمرار عنصران ضروريان ومهمّان من أجل مصلحة الطالب، لافتاً إلى أنّ العمليّة يجب أن تخضع للتنظيم حتى لا تحيد عن أهدافها الحقيقية. كما يرى أن اتهام نحو ستة آلاف مدرس بالبحث عن مكاسب مادية من خلال هذا التقليد فيه “انحياز وهو تعميم خطير”، مشدداً على أن هذا التقليد بدأ في التراجع خلال السنوات الأخيرة، إذ صار كثير من المدرسين يفضلون الانطلاق في الدروس مباشرة مع أوّل حصة في العام الدراسي. 

تعبير عن النّفس

يقول رئيس “الجمعية التونسية لجودة التعليم” سليم قاسم إن التسمية الحقيقية لما صار يعرف بـ”نصّ الورقة” هو “بطاقة التعارف”، ويضيف: “لقد حاد الجدال السنوي المرتبط بها عن أهدافه الحقيقية التي تكشفها تسميتها الأصلية”. ويعتبر قاسم في حديثه لـ”النهار العربي” أنه من الضروري أن يقوم المدرس بالتعرف إلى طلابه واحتياجاتهم الاجتماعية والصحية، قائلاً: “في كثير من المدارس يتم تعليق ملاحظات في قاعة المدرسين تنبّه مثلاً إلى الوضع الصحي لأحد الطلاب، وهذا مهمّ حتى يكون مدرسه مطّلعاً على ذلك”. ويلفت إلى أن بطاقة التعارف تلك التي يتمّ إعدادها في أوّل حصة دراسة عادة، لا تشمل مهنة الأب فقط، بل تجيب عن مجموعة من الأسئلة تساعد المدرس على تقييم مستوى طالبه، وتمنح الأخير فرصة للتعبير عن نفسه. ويقول: “قلّما تتيح منظومتنا الفرصة للطالب ليعبّر عن نفسه وهواياته وآرائه، مع أن ذلك هو جوهر العمليّة التربوية وقد تكون تلك الحصّة الفرصة الوحيدة للقيام بذلك”. وفي المقابل يشدد على أنّ هذه البطاقة “يجب ألا تحيد عن أهدافها الأساسية بأن تتحوّل إلى مجرد إجراء شكلي لملء فراغ الحصّة الأولى، دون إخضاع ما ورد فيها من معطيات للتحليل وأخذها في الاعتبار عند التعامل مع الطالب”، أو أن تصير طريقة لمعرفة الحالة المادية للطلاب، كما يروّج لذلك كثير من منتقديها.