جدوى انضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية

1

نبيل السهلي
 
بعد أن وصلت المفاوضات مع إسرائيل إلى طريق مسدود وانحياز إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المطلق لإسرائيل، يحاول الفلسطينيون الاستمرار في الحصول على طلب العضوية من مزيد في المنظمات الدولية، حيث يرون في التحرك نحو الأمم المتحدة تجسيداً لتعامل الأمم المتحدة مع الدولة الفلسطينية كدولة حتى لو لم تكن عضوًا كامل العضوية فيها أهمية المغزى السياسي لوجود الدولة الفلسطينية وتعامل المجتمع الدولي معها سياسياً وقانونياً على أساس أنها دولة وشخص معنوي من أشخاص القانون الدولي بغض النظر عن نوع عضويتها في الأمم المتحدة. وتبعاً لذلك سيسعى الفلسطينيون في المطالبة بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
 
وعلى رغم كون الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وقبولها عضواً في الأمم المتحدة يتفق مع قرارات الأمم المتحدة العديدة والقانون الدولي، ويدعم الصيغة التي يوافق عليها العالم والتي تعد السبيل الوحيد للسلام، إلا أن الاعتراف بدولة فلسطينية بالصيغ المختلفة يطرح تساؤلات حول مستقبل قضايا الوضع النهائي، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين والقدس والاستيطان، ناهيك بمستقبل منظمة التحرير الفلسطينية التي يعتبرها الفلسطينيون ممثلهم الشرعي والوحيد.
 
في مقابل التوجه الفلسطيني القانوني والديبلوماسي، ترفض كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبعض دول العالم من حيث المبدأ الخيار الفلسطيني بالذهاب إلى مزيد من المنظمات الدولية، وهو الخيار الذي لوحت وتلوح به القيادة الفلسطينية بعد توقف المفاوضات بسبب التعنت الإسرائيلي وانحياز إدارة ترامب إلى المواقف الإسرائيلية، فضلاً عن النشاط الاستيطاني الكثيف في عمق الضفة الغربية والقدس.
 
لقد استندت القيادة الفلسطينية إلى دعم توجهها الديبلوماسي، إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني، حيث إن الدولة وإعلانها حق سيادي بين كل الدول، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي. وتبعاً لذلك فإن كفاح الفلسطينيين انصب خلال السنوات الأخيرة على أن تكون فلسطين عضواً متساوياً في مجتمع الأمم، لتشمل المساواة الحقوق والسيادة بموجب القانون الدولي. لقد أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني، أعلى هيئة ممثلة للمنظمة، استقلال فلسطين، ولقد كان هذا الإعلان في 15/11/1988 حيث أشار إلى تأييد منظمة التحرير الفلسطينية في شكل مباشر وواضح لصيغة حل الدولتين كصيغة مقبولة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
 
باتت السلطة الفلسطينية على قناعة مطلقة بأن التوجه إلى الأمم المتحدة من شأنه تعزيز المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة الحقوق،عوضاً عن الحديث المتكرر عن مفاوضات عبثية. ثمة تحديات تواجه طلب الفلسطينيين بالاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية، وفي المقدمة من تلك التحديات الموقف الإسرائيلي الرافض لأي شكل من أشكال الدولة للفلسطينيين. وفي هذا السياق يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى فرض عقوبات على الفلسطينيين في حال قرروا تنفيذ خطتهم للطلب في شكل أحادي الجانب لرفع مستوى مكانتهم في الأمم المتحدة. ويعتبر نتانياهو التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بمثابة حرب يشنها الجانب الفلسطيني على إسرائيل، وفي تعبير آخر يرى نتانياهو بالتحرك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة في شأن عضوية دولة فلسطين الكاملة، بأنه انتزاع الشرعية عن إسرائيل، في حين أشار أكثر من وزير إسرائيلي إلى أن التحرك الفلسطيني تسونامي سياسي وديبلوماسي على إسرائيل. وتحدث وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في أكثر من مناسبة قائلاً إنه سيعمل على انهيار السلطة الفلسطينية إذا طلبت الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة في شكل أحادي الجانب. وبين العقوبات موضع البحث والتي تتمثل في تجميد تحويل أموال الضرائب، وتخفيض كمية تراخيص العمل وتخفيض النشاط التجاري في المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
 
ثمة تباينات إسرائيلية في الموقف من التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة والانضمام إلى مزيد من المنظمات المتفرعة، لكن هناك اتفاقاً كاملاً بين الأطياف السياسية الإسرائيلية المختلفة على رفض إقامة أي شكل لدولة فلسطينية، فبعض القوى ويتصدرها نتانياهو وليبرمان تتفق على سياسة العقوبات المباشرة على الفلسطينيين لإخضاعهم سياسياً. واللافت أن أوساط يمينية عديدة في إسرائيل تتفق مع وجهة نظر ليبرمان والتي تتلخص بتصفية السلطة الفلسطينية في حال التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة لفلسطين، بل أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية وفوداً عديدة إلى دول الاتحاد الأوروبي من أجل طلب معارضة خطوة الفلسطينيين في الأمم المتحدة وحضّهم على التراجع عنها.
 
وعلى رغم الرفض الإسرائيلي الخيار الفلسطيني الديبلوماسي باتجاه الأمم المتحدة، يبدو أن الفلسطينيين عازمون على القيام بخطوة الاعتراف بمكانتهم كدولة كاملة العضوية، ومن ثم نيل العضوية أيضاً في العديد من المنظمات الدولية. وقد يؤسس التوجه الفلسطيني الجديد إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية من الاحتلال.
 
لم يمنع الرفض الإسرائيلي والأميركي لخيار الفلسطينيين بالذهاب إلى الأمم المتحدة، تصويت أكثر من 180 دولة في الجمعية العامة من أصل 193 دولة في شكل دوري لمصلحة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حيث يعتبر رداً على الرفض الأميركي والإسرائيلي عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة وتأكيدا صارخاً بأن عدم تمتع دولة فلسطين بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة في هذه المرحلة كان لسبب سياسي لدى دولة واحدة في هذا العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها دولة تملك حق النقض في مجلس الأمن كما أنها تملك القوة التي تستعملها في هذه المرحلة على حساب قوة القانون الدولي.
 
ويبقى القول إن جدوى انضمام فلسطين إلى مزيد من المنظمات الدولية لن يكون مجدياً في ظل تحولات المشهد العربي الخطيرة والاستمرار في حالة الانقسام الفلسطيني المرير

التعليقات معطلة.