باسم برهوم
تمثل فكرة ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إحدى ركائز الفكر والتخطيط الصهيوني، فلا يمكن ان يتم تهويد فلسطين ونزع هويتها العربية عنها بدون ترحيل أهل فلسطين، السكان الاصليين، ومن وجهة نظر صهيونية الهجرة اليهودية إلى فلسطين وامتلاك الأراضي والاستيطان الكثيف فيها، لن يتم بشكله الصحيح بدون ترحيل الفلسطينيين، كما يمثل الاصرار على التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، وحصرية الحق بفلسطين ” بالشعب اليهودي “، تأكيدا آخر على فكرة الترحيل. الآباء المؤسسون للصهيونية طرحوا الفكرة مبكرا نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومن ابرز هؤلاء الكاتب اليهودي البريطاني يسرائيل زينغويل صاحب مقولة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض “، ومن ثم حاييم وايزمان، الذي قال في خطاب ألقاه العام 1914، ثمة بلد صدف ان اسمه فلسطين بلا شعب، وثمة شعب يهودي لا يملك بلدا، وان ما تبقى هو جمع شمل اليهود في هذه الأرض “.
كرر زنغويل موقفه العام 1919 من ترحيل الفلسطينيين. وقال انه لابد من نقلهم تدريجيا إلى الدول العربية، زاعما ان أكثرهم اشبه بالبدو لم يقدموا إلى فلسطين شيئا يذكر، وانه يجب عدم التعامل معهم حسب المعايير الديموقراطية. وبغض النظر عن اتجاهاتهم، سواء كانت يمينية او ليبرالية، او حتى عمالية إشتراكية. فإن كافة الآباء المؤسسين للصهيونية تحدثوا عن الترحيل. هرتزل. وزنغويل، وسكولوف، وليون تسكين، وزئيف جابوتنسكي، وإرثر روبين. ومناحيم غرانوفسكي. وحاييم وايزمان، وروتشيلد، وديفيد بن غوريون.
وبعد صدور وعد بلفور، وخلال فترة الانتداب البريطاني، كان القادة الصهاينة يناقشون فكرة ترحيل الفلسطينيين مع المسؤولين البريطانيين، وكتب تشرشل العام 1919 منتقدا اطماع الصهاينة المتزايدة، وقالهناك اليهود الذين وعدناهم بأن نوطنهم في فلسطين، والذين يعتبرون إجلاء السكان الاصليين أمرا مفروغا منه.
ومنذ العام 1930 كانت فكرة الترحيل قد اكتملت لدى وايزمان والقادة الصهاينة الآخرين. فهم من اوحوا للجنة بيل الملكية البريطانية في العام 1937، التي جاءت على نتيجة للثورة الفلسطينية الكبرى( 1936- 1939 ) فقد ادرج الصهاينة فكرة ترحيل الفلسطينيين من الدولة اليهودية في إطار مشروع تقسيم فلسطين. وبالتزامن مع ذلك بدأ مسؤولون في الوكالة اليهودية بالاتصال مع قادة في الدول العربية لاقناعهم بقبول المشردين الفلسطينيين في دولهم، وانهم اي القادة العرب سيجنون المكاسب ان هم قبلوا بذلك. وكان وايزمان وغيره من القادة الصهاينة، يعتقدون ان حل المسألة العربية في فلسطين يمكن ان يتم في النطاق العربي الاوسع، ولم يكن بن غوريون، على سبيل المثال، ينظر إلى الفلسطينيين على انهم شعب له حقوق، وان اليهود وحدهم لهم الحق بأرض إسرائيل. وأنه يمكن نقل العرب في فلسطين تدريجيا إلى الدول العربية المجاورة، وكان الشعار ” فلسطين لايحتاج العرب إليها “، وقبل ذلك وبعد صدور تقرير لجنة شو على خلفية هبة البراق عام 1929. اقترح وايزمن نقل الفلاحين الفلسطينيين الذين فقدوا ارضهم وسيطرت عليها المنظمة الصهيونية، إلى شرق الأردن، وأبدى استعداده بان يجمع اليهود مليون جنيه فلسطيني من أموالهم لهذا الغرض.
وفي العام 1937 اقترح بن غورون فكرة التهجير القسري للعرب من الدولة اليهودية، وانه يسعى من وراء التهجير القسري ان يرى الجليل بلا عرب، وقال إن ترحيل العرب من الدولة اليهودية على اساس تقسيم العام 1937، هو الشرط الاهم لقبول المشروع وقيام الدولة اليهودية.
وبعد ان اصدرت الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين نهاية العام 1947، رقم ( 181 ) وضعت منظمة الهاغاناة العسكرية الصهيونية برئاسة بن غوريون خطة ” دالت “، والتي أعلن عنها رسميا في آذار/ مارس 1948، وكان الهدف الحقيقي منها تنفيذ عملية تطهير عرقي شاملة وطرد العرب الفلسطينيين من كافة المناطق المحسوبة للدولة اليهودية في إطار التقسيم المذكور. ومن خلال تنفيذ هذه الخطة تم تشريد 900 الف فلسطيني، وتدمير وحرق 450 قرية وبلدة فلسطينية. وهو ما بات يعرف بالنكبة الفلسطينية.
لم يكتف الصهاينة، وإسرائيل بالتهجير، بل تابعت العمل من اجل تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر مشاريع التوطين التي نشطت خلال سنوات الخمسينيات من القرن العشرين. ابرزها، مشروع إيرك جونسون مبعوث الرئيس الاميركي ايزنهاور إلى الشرق الأوسط. 1953- 1955، ويهدف المشروع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الشرقية من الاردن،
وكانت دراسة سميث ويروين 1954، وتدعو الدراسة إلى الضغط على الحكومات العربية لتوفير المساكن للاجئين الفلسطينيين ومنحهم حق المواطنة، ومن مشاريع التوطين الاخطر، مشروع جون فوستر دالاس 1955. لتوطين المهاجرين في مصر وسورية، واخيرا المشروع البريطاني ومشروع الرئيس الاميركي جون كيندي.
وبعد الحرب العام 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، طرح قادة إسرائيل العسكريون كموشية دايان ويغال ألون، والقيادت السياسية طرحوا الشعار الشهير ” أرض اوسع وسكان اقل “، وبدأت عملية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها، وسياسة هدم البيوت، وسياسة الضم، وغيرها من السياسات والتي جوهرها يعني الترحيل والتهجير. ولم يكن قانون يهودية الدولة الصادر العام 2018 الا تعبيرا واضحا لفكرة التهجير والترانسفير في فلسطين من النهر للبحر.
وإذا امعنا النظر بالمفردات والمصطلحات والخطط المستخدمة اليوم في قضية تهجير الفلسطينيين القسري من قطاع غزة، نجد انها لا تختلف عن تلك التي استخدمتها المنظمة الصهيونية وإسرائيل وحلفاؤها منذ أكثر من مئة عام، الأمر الذي يؤكد ان الفكرة والمخططات والأفعال والأهداف لم تتغير. والهدف المركزي كان دائما الترحيل والتهجير بكافة أنواعه.