جشعٌ ولا رقابة… الأسعار في مصر ترتفع مع الدولار ولا ترافقه هبوطاً

1

تتغيّر الأسعار يوماً بعد آخر تبعاً لسعر الدولار في السوق الموازية. (النهار العربي)

ارتفع سعر الدولار الأميركي بالسوق الموازية في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، خلال الأيام الماضية، حتى لامس 73 جنيهاً مصرياً للدولار الواحد، ثم ما لبث أن ارتدّ سريعاً، وخسر قرابة 20 جنيهاً في يومين، وذلك بعد تداول أنباء عن إجراءات حكومية وصفها البعض بأنها “مبشرة”، ربما كان أهمها هو توقع تدفق عشرات المليارات من الدولارات إلى النظام المصرفي الرسمي.

ومع أن سعر الدولار بقي شبه ثابت في البنوك عند مستوى 31 جنيهاً تقريباً، منذ العام الماضي، فقد رافقت أسعار السلع والخدمات الدولار في رحلة صعوده بالسوق الموازية، بل وفي بعض الأحيان سبقته، لكن حين عاد الدولار ينخفض أمام الجنيه في تلك السوق، بقيت معظم الأسعار في عليائها، باستثناء عدد محدود من الشركات التي قررت خفضها قليلاً تجاوباً لتراجع الدولار.

وبعد يومين أو ثلاثة من انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية لما دون 55 جنيهاً، عاد يرتفع مجدداً، حتى بلغ نحو 63 جنيهاً أمس الخميس. ووسط صعوده بقي السؤال الذي تكرر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر، على مدار الأيام الماضية، حائراً، والسؤال هو: لماذا ترتفع الأسعار مع ارتفاع الدولار ولا تتراجع معه إلا في ما ندر؟

خريطة للأسعار على أحد تطبيقات متابعة أسعار الدولار بالسوق الموازية يوم الثلثاء – (النهار العربي)

تأثير السوق الموازية

والسوق الموازية، أو كما يطلق عليها البعض السوق السوداء، هي مساحة خارج الإطار القانوني في مصر، يتداول فيها الدولار بأسعار يحددها التجار المسيطرون على تلك الأسواق، أو كما يقول بعض المحللين تحددها المضاربات، فيما يرى آخرون أن قوانين العرض والطلب هي العامل الحاسم في تحديد سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية.

ويؤكد مستوردون ورجال أعمال أن أسعار منتجاتهم وسلعهم يتم تحديدها وفقاً لسعر السوق الموازية، وليس السعر الرسمي، لأنهم يضطرون لتوفير احتياجاتهم من العملة الأميركية عبرها، ليتمكنوا من استيراد السلع، وكذلك المواد الخام اللازمة للتصنيع.

غياب الرقابة والعقاب

يرى رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” لحماية المستهلك محمود العسقلاني أن “ثمة افتقاداً للعقاب لمن يقومون برفع الأسعار في مصر”، ويقول في حديثه لـ”النهار العربي” إن “لا ريب في أن العقاب يستلزم الرقابة أولاً، ونحن نفتقد إلى الرقابة”.

محمود العسقلاني

ويضيف: “جهاز حماية المستهلك الذي يشبه حائط المبكى، والذي نتساءل كلما ارتفعت الأسعار: أين هو؟!  ليس لديه سوى 500 موظف فحسب، وهذا عدد غير كاف لرقابة الأسواق. لقد قلت مراراً إننا يمكننا الاستعانة بالشباب حديثي التخرج، كمراقبين للأسواق، على سبيل الخدمة العامة لمدة عام – وهذا ليس توظيفاً، كي لا يغضب صندوق النقد الدولي – فهؤلاء الشباب بعد نهاية خدمتهم لمدة عام سيحل مكانهم دفعة جديدة من حديثي التخرج”.

ويشير رئيس جمعية حماية المستهلك إلى أن “السوق في مصر شديدة الحساسية وتستشعر أي زيادة في سعر الدولار، أو أي ارتفاع في الأسعار العالمية أو تكاليف الإنتاج، وفي المقابل فهي عديمة الإحساس حين تنخفض الأسعار، كما أن لديها أزمة وهي الرغبة في تحقيق أرباح بأي وسيلة، وهذه انتهازية، لأن التجار ينتهزون أي فرصة لاستغلال زيادة الأسعار”.

ويؤكد العسقلاني أن “هذا يحدث في سلع تم شراؤها بالفعل قبل 6 أشهر. مثلاً العجول المشتراة من قبل، والتي تستغرق أقل دورة علف لها نحو 6 أشهر، وكان سعر الدولار وقت شرائها يوازي قرابة 40 جنيهاً، يتم بيع الكيلو من لحمها بنحو 500 جنيه، هذا جشع يستوجب العقاب”.

الاحتكار والسوق الحرة

تقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سمر عادل في حديث خاص لـ”النهار العربي” إن “الأسعار في الأسواق هنا غير منطقية، وهذا لأن السوق لا تخضع للرقابة”.

الدكتورة سمر عادل

وترفض الخبيرة وصف البعض للسوق المصرية على أنها سوق حرة تخضع لمعايير العرض والطلب، وتقول: “هذا كلام غير صحيح، فهذه سوق احتكارية وليست سوقاً حرة، لأن التجار يخزنون السلع، ويفرضون الأسعار التي يريدونها بعد تعطيش السوق”.

وتضيف: “أيضاً، فإن السماح للتجار بأن يوفروا احتياجاتهم الدولارية من السوق السوداء، كان سبباً آخر في ارتفاع الأسعار. التجار يضطرون لشراء الدولار بأسعار مرتفعة للغاية، ومن ثم يحملون المستهلكين أضعاف ما يدفعونه لشراء الدولار”.

وترى الخبيرة أن “الشائعات لعبت دوراً محورياً في ارتفاع سعر السوق السوداء، وكذلك في انخفاضه. فحين تم الترويج لأنباء عن أن البنك المركزي يعتزم خفض قيمة الجنيه، قفز سعر الدولار لمستويات جنونية والتهبت الأسعار، ولكن الإعلان عن صفقة بيع أراض في مدينة رأس الحكمة بمبلغ 22 مليار دولار، ساهم في تهدئة الأسواق”.

وتشير إلى أن “الإعلان عن الاتفاق بين القاهرة وصندوق النقد الدولي ساهم في خفض سعر الدولار في الأسواق الموازية لبعض الوقت، ولكن الحديث عن أن الاتفاق شمل تعويم الجنيه قد ساهم في زيادة السعر مجدداً… هذا كله يحتاج إلى إجراءات رادعة وعقوبات حاسمة لمن يتلاعب بالأسعار، كما أن الحكومة يجب أن تحدد تسعيرة للسلع الأساسية ومن يمسها تتم معاقبته بشكل رادع”.

التعليقات معطلة.