يوم أخذنا الشختور (قارب نحيف مدبب الجانبين) إلى أجمل بقاع العالم في أقصى جنوبي العراق، طافت بنا المياه الصافية بدرجة 100 في المئة وكأنها جزر المالديف، لأهوار نادرة تسكنها قرطاسية السومريين وآثارهم، والطيور الراقصة، وألذ أنواع السمك، قبل أن يأتيها الخطر من الطبيعة ودول الجوار.
خطر بدأ يعتصر أهوار العراق تحديداً الموجودة في محافظة ميسان، والتي يحب العراقيون تسميتها بفينيسيا الشرق تشبيها بالمدينة الإيطالية العائمة فوق المياه، إثر إجراءات اتبعتها إيران، شاركت الصيف الحارق في تبخير المياه وقطعها.
وسلط تقرير لـ”سبوتنيك” الروسية الضوء على هذا الخطر، والجفاف الذي بدأ يعري الأهوار “وهي مسطحات مائية تطفو من بينها بقع يابسة تشبه الجزر يخصصها السكان لتشييد البيوت وجلسات الشواء والاستراحة” في ميسان جنوبي بغداد، وحملات الاستغاثة التي انطلقت إلكترونيا وميدانيا لدرء الأزمة.
تفاصيل الأزمة
تحدث الناشط البيئي البارز في محافظة ميسان، أحمد صالح نعمة، بالتفصيل عن خطر اختفاء الأهوار عطشا.
الجفاف
ولفت نعمة، في البداية إلى مواسم كثيرة مرت فيها على العراق، فترات جفاف، منها في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وكل 10-15 سنوات، تمر البلاد بفترة جفاف، إثر مواسم صيف قاسية نتيجة انحسار المياه عند دول المنبع وعدم نزولها على خلاف ما يشاع على أن تركيا قطعت المياه على نهر دجلة.
وأوضح نعمة، حتى اليوم، تركيا لم تتسبب بقطع الماء عن دجلة، ولكنها مقبلة على ذلك في آذار/مارس العام المقبل، والعراق توسط كثيراً في مباحثات مع الأتراك، أما يملئ خزان سد أليسو التركي لأربع سنوات، بدل من سنتين، أو يؤجل إلى ما بعد شهر مارس، كأن يكون في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الثاني، أي عند تجاوز الصيف القادم.
وأضاف، أن الشح الموجودة هي نتيجة الجفاف الطبيعي بسبب إنحسارات المياه من المنبع، والأزمة المائية العراقية هي لليوم أزمة داخلية، عدا الجانب الشرقي الذي جزء منه متسببة به إيران على اعتبار أنها قطعت الإمدادات على نهر العظيم الذي يدخل على محافظة ديالى شرق العراق.
كما قطعت إيران المياه عن نهر الكرخة الذي يدخل على هور الحويزة في ميسان، وأيضا ً قطعت إمدادات نهر الكارون الذي يدخل على محافظة البصرة، حسبما بين نعمة.
تحرك
كشف نعمة، عن مباشرة البصرة قبل نحو يوم، بتنفيذ اتصال بالقنصلية الإيرانية، وتمت التوصل إلى حل تمثل بفتح الجانب الإيراني جزء لنهر الكارون إلى المحافظة.
وأبشر نعمة، بأن فتح جزء نهر الكارون على البصرة، اخفض النسبة الملحية الموجودة في مياه المحافظة إلى ما دون الـ1500 جزء بالمليون، وهذا مؤشر جيد جداً، على حد تقييمه.
ولفت نعمة، إلى أن محافظة ميسان “يفصلها عن البصرة مسافة طريق بالسيارة لساعتين بمسافة نحو 161 كم”، حديثا ً بإطلاق جزء من ناظم قلعة صالح، باتجاه البصرة لتعويضها عن النقص الحاد الحاصل بها من المياه بالرغم من أن ميسان تعاني من النقص أيضا ً.
وأشار نعمة، إلى مباحثات جرت بين محافظ ميسان، ومدير مركز إنعاش الأهوار، مع محافظ محافظة واسط وسط البلاد، انتهت بأخذ وعود بأن واسط تتجاوز التجاوزات على عمود نهر دجلة وتطلق كميات إضافية إلى ميسان.
وعن حال الأهوار الآن يقول نعمة:
حاليا الأهوار الوسطى في داخل العمارة وليست العامة التي تشترك بها 3 محافظات، جفت منذ فترة أكثر من شهرين ونصف تقريبا ً، ولدينا هور الحويزة هو الموجود، والعظيم، يحتويان على المياه باعتبار دخولها على قائمة محميات التراث العالمي فاضطرت الحكومة إبقاء نسبة معينة لها من المياه.
وصحيح حاليا ً تعاني من انخفاض كبير، وقد يصل إلى درجة الإنذار لأنها مهددة بالجفاف، لكن نتيجة هذه المساعي الدبلوماسية التي صارت خلال هذه الأيام نستطيع تجاوزها.
حفر الآبار
ونقل لنا نعمة عن مدير إنعاش الأهوار، سلام الموسوي، تأكيده المباشرة بحفر الأبار في منطقتي قلعة صالح، والعزير، على اعتبار انهار هاتين المنطقتين جفت تماماً، في ميسان، وتم حفر ما يقارب من 8-6 آبار، وحاليا ً في طور نصب محطات التحلية عليها للاستخدام البشري، فضلا عن انتهاء الاستخدام الحيواني والنباتي.
وتابع نعمة، أيضا نهر الطوز الذي يغذي الحويزة، تم كريه قبل شهر تقريبا ً، وحفارات الكري موجودة في نهر العريّض دخولا إلى هور العودة فيه حاليا ً 8 مغذيات تمارس عمليات الحفر لتخفيض قاع النهر حتى تعبر المياه إلى العودة.
حياة النبات والحيوان
وبشأن عدد أصناف النبات والحيوانات التي تضررت من جفاف الأهوار، أخبرنا نعمة، بأنه قد لا تكون هناك إحصائية محددة بالدقة، لكن مؤكدا ً أن الجفاف حدد انتشار وتكاثر الكثير من النباتات والطيور، وأثر على نسبة الطيور المهاجرة على اعتبار انخفاض المسطحات المائية وانحسارها في مناطق صغيرة وهذه المناطق يتركز فيها الصيادين أثروا على نسبة صيد كبيرة لانحسار المنطقة.
وأيضا ً تضررت قطعان الجاموس بشكل كبير، مثلما نوه لنا نعمة، ذاكرا ً عن ممثل العراق في الاتحاد الدولي لمربي الجاموس، جبار الساعدي، أنه أنذر بخطر تراجع تكاثر الجاموس كون هذا الحيوان يحتاج إلى الماء بشكل كامل طيلة حياته، وهو مهدد ضمن الخطر على التنوع الإحيائي في بيئة ميسان.
مستوى الخطر
ويطمئن نعمة، بزوال الخطر عن أهوار ميسان، كاشفا ً عن لقاء جمعه بوزير الموارد المائية، حسن الجنابي قبل أسبوع تقريبا ً، وأيضا ً منذ يومين، ونقل عن الجانبي وعده بإطلاق 90 متر مكعب بالثانية إضافية رغم انخفاض مستويات سد الموصل، والسدود الخازنة.
وفي ختام حديثه، أكد الناشط البيئي الشهير في ميسان والعراق، على الحاجة لتعويض المياه التي ستطلق، بهذه الفترة لأنه قد يتم اللجوء إلى السحب من الخزين شيء بسيط لنعوض به الأهوار، بانتظار غيث المطر، إذا ما صير إلى أن العمارة أو الكوت أو إيران نزل فيها المطر ستعوض الأهوار كثيرا ً من النقص الحاد الحاصل لها.
حملات
وأطلق أبناء محافظة ميسان، حملات لإنقاذ الأهوار في مدينتهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وتويتر”، وبثوا من خلالها صور تظهر الجفاف الذي أكل من جسد نهر دجلة لدرجة أن الأطفال نزلوا إلى منتصف جاف تماماً من النهر، للعب الكرة والمرح بالتراب.
وأسمى الناشطون الميسانيون الذين حظوا بدعم من أبناء باقي المحافظات، حملاتهم بهاشتاكات هي: “العمارة_عطشانة”، ودجلة_تستغيث”، مع مطالب إلى الحكومة والجهات المعنية للتدخل وإيجاد حل لهذه الكارثة التي تهدد حياة المدينة بأكملها.
واستطاع العراق، أن يدخل بأهوار من ميسان، على لائحة التراث العالمي، بعد أن كانت تواجه الجفاف والهلاك لسنوات طويلة لوحدها دون منقذ أو منجد تموت معها نباتات القصب والبردي التي استخدما السومريين للكاتبة المسمارية العائدة إلى 3000 سنة قبل الميلاد.
جميلات فينيسيا العراق في خطر
التعليقات معطلة.