توالت الأحداث الاقتصادية المؤثرة بكثافة على مصر منذ ساعات اليوم الخميس الاولى، وبعد أن نام المواطنون على إعلان حكومي بحزمة دعم تشمل رفع الحد الأدنى للأجور ومبالغ إضافية لأرباب معاشات التقاعد، استفاقوا على قرار “متعدد المحاور” من البنك المركزي برفع أسعار الفائدة 200 نقطة، وإلغاء تدريجي لـ”خطابات الاعتماد” التي تخنق الاستيراد، والأهم، إعلان اعتماد سياسة “سعر الصرف المرن” تجاه الدولار، والتي تحددها قوى العرض والطلب في الأسواق. الجزئية الأخيرة تحديداً، والتي تعد بمثابة “تحرير جديد لسعر الصرف”، دفعت الدولار إلى وثبة كبرى ليبلغ حدودا غير مسبوقة مقابل الجنيه المصري. وبعد أن فتحت التعاملات المبكرة عند مستوى 19.7 جنيها للدولار تقريبا، تقافز حتى كسر حاجز الـ 23 جنيها للدولار منتصف النهار، مع نظرة متشككة وغير يقينية حول السقف المحتمل لذلك الارتفاع. وبحسب متعاملين في الأسواق وعدد من المصرفيين، فإن قفزة الدولار الأولية “متوقعة للغاية”، بخاصة أن السوق متعطشة بشدة للدولار في ظل محدودية العملة الأميركية في الأسواق منذ بضعة أشهر، ما دفع إلى تسابق حاد للحصول عليها، إلا أن نقص المعروض أدى إلى ذلك الاشتعال الجنوني الذي لن ينطفئ -بحسب المراقبين- حتى يتوافر الدولار… وأقرب سبيل إلى ذلك هو دخول أموال قرض صندوق النقد الدولي إلى مسارات الاقتصاد. وفي ما يبدو أنه كان أمرا مرتبطا، اعلن صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق مع مصر لتمويل يبلغ 3 مليارات دولار، عقب ساعات قليلة من إعلان البنك المركزي المصري رفع “سعر الصرف المرن”. وقال الصندوق اليوم الخميس إنه اتفق مع مصر على تسهيل تمويل ممدد مدته 46 شهرا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مرحبا بتحرك السلطات نحو “مرونة دائمة لأسعار الصرف” والالتزام بتعزيز الحماية الاجتماعية. وأوضح أنه سيتم ربط السياسة المالية للحكومة المصرية بموجب التسهيل الممدد بتخفيض الدين الحكومي العام واحتياجات التمويل الإجمالية. كما أشار في بيانه إلى أن من المتوقع أن يحفز الترتيب حزمة تمويل كبيرة لأجل سنوات عدة، بما في ذلك نحو خمسة مليارات دولار في السنة المالية المنتهية في حزيران(يونيو ) 2023، ما يعكس الدعم الدولي والإقليمي الواسع لمصر. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن بلاده ستحصل على 3 مليارات دولار من الصندوق، ومليار دولار من صندوق الاستدامة، ونحو 5 مليارات من دول شريكة ومؤسسات دولية أخرى… وأشار وزير المالية محمد معيط بدوره في تصريح منفصل إلى تمويل يبلغ 9 مليارات دولار. وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد في مصر، إيفانا هولار، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي في مصر، إن “الصندوق عمل مع السلطات المصرية من أجل أن تكون هناك تعديلات هيكلية من أجل الوصول إلى التزام أقوى في ما يتعلق بالتعديلات الخاصة بالاقتصاد الكلي، وذلك بالطبع في ضوء الضغوط والتحديات الدولية”. قال مدبولي إن الاتفاق يبعث برسالة للداخل والخارج بأن أوضاع الاقتصاد المصري مستقرة وآمنة، مشيرا إلى أن برنامج الحكومة، الذي يدعمه صندوق النقد، يهدف إلى حماية استقرار الاقتصاد الكلي، واستدامة الدين العام، وتحسين قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الصدمات، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، والحماية الاجتماعية، ومضاعفة الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها دعم النمو وتوفير فرص عمل من خلال القطاع الخاص. وأكد محافظ البنك المركزي حسن عبدالله أن الاتفاق مع الصندوق سيعزز من استقرار الاقتصاد الكلي وقدرته على الصدمات الخارجية والتي زادت حدتها على المستوى العالمي أخيرا. وأوضح أن الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد جاء نتيجة مناقشات مثمرة بين السلطات المصرية والصندوق، اذ اتفق الطرفان على حزمة متكاملة من السياسات والتدابير والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية المتسقة مع برنامج الإصلاح الوطني. وبعيدا عن جزئية “سعر الصرف المرن”، فقد أعلن البنك المركزي المصري في بيانه انه قرر زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسات النقدية. وأوضح أنه حدد سعر الإقراض لليلة واحدة عند 14.25 في المائة، وسعر الإيداع لليلة واحدة عند 13.25 في المائة، مشيرا إلى أن الصراع في أوكرانيا “كانت له تداعيات اقتصادية وخيمة، وبالتالي جعل مصر تواجه نزوح تدفقات كبيرة لرؤوس الأموال”. كما قال البنك المركزي إنه سيبدأ أيضا الإلغاء التدريجي لتوجيهات تبناها في آذار (مارس) بشأن استخدام خطابات الاعتماد لتمويل الواردات، مع استهداف إلغائها بالكامل بحلول كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وتسببت التوجيهات في اختناقات بالنسبة الى المستوردين، إذ أفادت بيانات من جهاز الإحصاء في البلاد بانخفاض بنسبة 57 في المائة في واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بين نيسان (أبريل) وحزيران (يونيو) الماضيين. وأوضح البيان أن تلك الإجراءات تعد “بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط. كما سيعمل البنك المركزي المصري على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية”. وفي نظرة مستقبلية للمركزي، قال إنه “من المتوقع أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام عن نظيره المستهدف من قبل البنك المركزي والبالغ 7 في المائة (± 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022. وتؤكد اللجنة أن الهدف من رفع أسعار العائد هو احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والتوقعات التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض”. واختتم البيان بالقول: “ستواصل لجنة السياسة النقدية الإعلان عن المعدلات المستهدفة للتضخم والتي بدأت منذ عام 2017 بما يتسق مع المسار النزولي المستهدف لمعدلات التضخم. وقد نجحت سياسة استهداف التضخم في خفض معدلات التضخم حتى ظهور الصدمات العالمية الأخيرة. ويجب التنويه بأن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط يدعم الدخل الحقيقي للمواطن ويحافظ على مكاسب التنافسية للاقتصاد المصري… وسوف يتابع البنك المركزي عن كثب كل التطورات الاقتصادية ولن يتردد في استخدام كل أدواته النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار”.
التعليقات معطلة.