بقلم : العميد د. أمين محمد حطيط
تكثفت في الآونة الأخيرة التهديدات «الإسرائيلية» للبنان، كما والممارسات «الإسرائيلية» ميدانياً بشكل أوحى للكثير من المتابعين من المراقبين والخبراء أنّ «إسرائيل» بصدد التحضير لعدوان واسع على لبنان لتعوّض عبره ما فاتها في العام 2006 وما عجز عنه العدوان العالمي المركّب على سورية، واتجه البعض إلى القول بشبه يقين بأنّ العدوان واقع لا محالة إلى درجة التجرّؤ على القول بأنه بات منتظراً في الأيام القليلة المقبلة، فما مدى صحة التوقع وما مدى صحة القول بأنّ «إسرائيل» بصدد شنّ عدوان واسع على لبنان؟
قبل الإجابة، لا بدّ من التذكير بأنّ الكيان الصهيوني الذي لا يملك شيئاً من شرعية الوجود القانونية أو الأخلاقية حتى والإنسانية، وبأنه كيان قائم على فكرة القوة وحدها. وبالتالي فإنّ «إسرائيل» في وجودها وفي المحافظة على استمراريتها بحاجة إلى القوة التي تعطّل الشرعية. وهي بالتالي أيضاً تكون دائماً في حالة حرب، فإما أن تكون في الحرب فعلياً تخوضها وإما أن تكون في حالة التحضير للحرب التي تبتغي منها تحقيق هدف أو تحقيق مكسب أو فرض واقع فيه منفعة لها. وعلى هذا الأساس يقودنا المنطق التحليلي الى إعادة طرح السؤال فلا نقول هل تحارب «إسرائيل» وتعتدي، بل نقول متى ستقوم «إسرائيل» بحربها المقبلة وترتكب العدوان المتمادي؟
وتشتدّ أهمية السؤال اليوم ربطاً بما قامت به «إسرائيل» في الآونة الأخيرة وأطلقته من تهديدات بدأها الإعلام «الإسرائيلي» قبل المسؤولين، حيث طرح وناقش مسألة امتلاك حزب الله لأكثر من 170 ألف صاروخ موزّعة بين لبنان وسورية، وهو مخزون يمكّن الحزب من إمطار «إسرائيل» ولمدة 6 أشهر متواصلة بكمّ من الصواريخ يصل إلى ألف صاروخ يومياً ويتساءل خبراؤهم إذا كانت الـ 100 صاروخ يومياً في 33 يوماً في العام 2006 لجمت «إسرائيل» ومنعتها من تحقيق أيّ مكسب، فما سيكون حال «إسرائيل» مع الـ 1000 صاروخ ولمدة 170 يوماً؟
وتدقيقاً بالتوقيت الذي أطلق العدو تهديده فيه، نرى أنه فعل فعلته مع اقتراب تلزيم التنقيب عن الغاز اللبناني ومع نجاحات محور المقاومة في المنطقة، لذلك فعل مستغلاً حالة التنازع الداخلي اللبناني حول بعض المواقف والسلوكيات والعلاقات البينية، فأطلقت «إسرائيل» بعد الشروع براً في بناء الجدار الفاصل، حسب تسميتها، أطلقت موقفاً مفاجئاً في موضوعه مدّعية بأنّ البلوك رقم 9 الذي يقع في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، هو لها وهي تعلم أنّها تطلق ادّعاء كاذباً لا تسنده الى حجة أو دليل، ولكنها كعادتها في غصب حقوق الغير وكلّ وجودها أصلاً قائم على هذه القاعدة السيئة، كعادتها في ذلك أدلت بما أدلت به وطالبت بشيء هو ملك غيرها، وتصوّرت «إسرائيل» أنّ لبنان المنشغل بنزاعاته سينشغل عن اعتداءاتها، ولكن ما حصل كان خلاف ما توقعت وأبدى لبنان وحدة وإجماعاً وطنياً في مواجهة التهديد «الإسرائيلي» لثروته النفطية والأهمّ في الردّ اللبناني ما تضمّنه من جهوزية لبنان للدفاع عن حقوقه بكلّ «الوسائل المتاحة»، وهي تعلم أنّ عبارة «الوسائل المتاحة» تعني في ما تعني حق لبنان بالمقاومة. وهنا بيت القصيد ويكون كلّ ما فعلته «إسرائيل» في السابق وبدعم واحتضان أميركي لتخلي لبنان عن مقاومته أو نزع شرعيتها، يكون كلّ ذلك قد ذهب سدى وضاع في الأودية السحيقة هو ومعه مواقف بعض اللبنانيين الذين يشهد تاريخهم بعلاقتهم بـ»إسرائيل» وعدائهم للمقاومة التي تواجهها منذ أن كانت المقاومة.
اذاً، فهمت «إسرائيل» انّ اعتداءها على لبنان سيواجه الردّ المناسب وأنّ لبنان جاهز بجيشه الذي وجّه لها الإنذار لثنيها عن العدوان في بناء ما تسمّيه الجدار الفاصل وحذرها من قضم أرض لبنانية تحت أيّ ذريعة، ولبنان جاهز بمقاومته التي تملك عشرات الآلاف من الصواريخ القادرة على الوصول الى كلّ نقطة وهدف في فلسطين المحتلة أكان هدفاً نفطياً أو مساحياً، هدفاً بسيطاً أم هدفاً محصّناً، هدفاً برياً أو هدفاً بحرياً. فالمقاومة تملك القوة الصاروخية النارية الدقيقة الإصابة وتملك القدرات القتالية البرية المحترفة الأداء وأنّ المقاومة ومع محورها مستعدّان لأيّ حرب تفرض عليها، مستعدّان لخوضها والاستمرار في الميدان الى ان يتحقق ما وصفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بانها «ستغيّر وجه المنطقة» و»إسرائيل» تعلم جيداً ما يعنيه هذا التعبير.
ولأنّ لبنان جاهز للمواجهة دفاعاً عن حقوقه، ولأنّ «إسرائيل» غير جاهزة لحرب غامضة الآفاق وغير معلومة النهاية ومجهولة الحدّة في شدة الاشتباك وشدة القتال والمواجهة، ولأنّ «إسرائيل» لم تعالج بعد أو لنقل لم تطمئن بعد نتيجة ما قامت به من أجل معالجة اعورار الجبهة الداخلية التي يبدو يقيناً أنها لا تستطيع ان تحتمل ردة فعل المقاومة، وفضلاً عن انّ «إسرائيل» لم تصل الى حدّ الثقة بجيشها في الميدان في مواجهة المقاومة أو الثقة بقدرته على تحقيق الإنجاز العسكري في الميدان الذي تتحرّك فيه المقاومة، لكلّ ذلك نقول إنّ الحرب التي يهوّل بها البعض هي حرب مستبعدة حتى مع حالة جنون أو تخلٍّ يقع فيها المسؤول «الإسرائيلي»، اما المناورات التي تجري الآن أو التصريحات التهديدية التي تطلق أو الممارسات العدوانية على الأرض من قبيل بناء الجدار، فهي براينا أفعال من قبيل جسّ النبض وسبر الأغوار من جهة، ومن جهة أخرى فهي رسائل تريدها «إسرائيل» متعدّدة الاتجاهات للداخل «الإسرائيلي» أولاً وللخارج أيضاً مفادها القول إنّ «إسرائيل» قوية وتثبت وجودها على المسرح وإنها لم تتراجع في قدراتها العسكرية وإنها قادرة على التهديد وممارسة ما لديها من القوة وإنّ انتصارات محور المقاومة في سورية لم تؤثر على السلوك «الإسرائيلي».
وهي بذلك تريد طمأنة حلفائها الجدد في المنطقة وامتصاص خوفهم كما تريد أن تشوّش على الحال المعنوية التي يعيشها جمهور المقاومة ومحورها، ولذلك نرى أنه من الخطأ الوقوع في الفخ «الإسرائيلي» والترويج لقوّتها وقدرتها على الذهاب الى حرب تخشاها أكثر مما تطلبها. فلو كان لبنان ضعيفاً متفسّخاً كما كان في العام 1982 لشنّت «إسرائيل» الحرب العدوانية عليه، حتى من دون تحذير أو تهديد، أما لبنان القوي اليوم بشعبه وجيشه ومقاومته فهو منيع محصّن ضدّ العدوان، ما يؤكد ببساطة انّ هذه القوة تمنع وتردع «إسرائيل» عن ارتكاب أيّ حماقة ضدّه. وهنا نعود الى ما كنا نقول سابقاً ونؤكد عليه ان كلّ من يعادي المقاومة ويرميها بكلام سوء إنما هو يخدم «إسرائيل» ويستدعيها للعدوان على لبنان. فالمقاومة رافد من روافد القوة اللبنانية التي تؤرق العدو وتنسج في وجهه معادلة الردع وتمنع العدوان وتحمي الحقوق اللبنانية في الأرض والثروة، ويبقى على لبنان أن يحتفظ ويحصّن وحدته الوطنية ويقوّي جيشه بالعديد والعتاد ويتمسك بمقاومته التي صارت رقماً صعباً من معادلات المنطقة تستخدم قوّتها للدفاع عن الوطن.