تيلرسون في طريق الاستقالة؟
بأي مقياس، لا يعتبر يوم الأربعاء الفائت يوماً عادياً في وزارة الخارجية الأميركية، أن يظهر وزير الخارجية ريكس تيلرسون في إيجاز صحافي لتأكيد أنه وزير بالفعل، من دون أن ينفي وصفه الرئيسَ دونالد ترامب بـ «المغفل»، مخرباً بدل أن يصلح العلاقة المسمومة بين الرجلين.
إيجاز تيلرسون جاء رداً على تقرير لشبكة أن الوزير اقترب من الاستقالة في نهاية الصيف الفائت، وأنه وصف ترامب بـ ”المغفل” خلال اجتماع في وزارة الدفاع (البنتاغون) في ٢٠ تموز (يوليو) الفائت. تيلرسون أراد تهدئة العاصفة في مؤتمره، إنما لم ينجح وبفعل ارتباكه وعدم نفيه بأنه استخدم العبارة المهينة لترامب، أطلق أزمة جديدة مع البيت الأبيض.
ترامب الذي لم يعلم بمؤتمر تيلرسون وكان في جولة في لاس فيغاس بعد المجزرة الدموية، استشاط غضباً لدى عودته إلى واشنطن ولسببين. الأول أن إيجاز تيلرسون هيمن، بدل جولة الرئيس، على التغطية الإعلامية، وثانياً بسبب هفوة الوزير وعدم نفيه صراحة أنه وصف الرئيس بـ «المغفل». وعلى الرغم من تغريدات ترامب بوضع ثقته «الكاملة» في تيلرسون، فالتسريبات حول الأسماء المحتملة لخلافته بدأت في الإعلام الأميركي وتتمحور حول شخصيتين هما: سفيرة الأمم المتحدة نيكي هايلي ومدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو.
إقالة تيلرسون وهي مرجحة اليوم ولو انتظرت أول العام لحفظ ماء الوجه وعدم إثارة خضة كبيرة في الإدارة، ليست فقط بسبب غياب التجانس بين ترامب والوزير، بل مصدرها خلافات جذرية في الرؤية الخارجية وبتشعب من ملفات شرق أوسطية إلى كوريا الشمالية إلى المكسيك. فتيلرسون مثلاً عارض بشدة فكرة عدم المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني في تموز (يوليو) الفائت، وهو اضطر الآن إلى تعديل موقفه مع حسم ترامب قراره بعدم المصادقة هذا الأسبوع. كما تضارب الرجلان في قضية الخلاف مع قطر، وإصدار بيانات مختلفة بين البيت الأبيض والخارجية قوضت الدور الأميركي وأفشلت الوساطة الديبلوماسية. وفي كوريا الشمالية، اختار ترامب أن يذل وزير خارجيته علناً الأسبوع الماضي بتأكيد أن أي محادثة لن تجدي نفعاً بعد ساعات من إعلان تيلرسون أن هناك قناة ديبلوماسية مفتوحة مع بيونغيانع.
الخلافات بين ترامب وتيلرسون تشمل أيضاً انسحاب ترامب من اتفاق باريس للمناخ، مواقف الرئيس حول التجارة الحرة والتبادل التجاري مع المكسيك، والعلاقة مع مصر حيث كان للوزير الدور الأساسي في قطع جزء من المساعدات الشهر الفائت وبسبب قضايا حقوق الإنسان وإغلاق منظمات غير حكومية.
كل هذه الخلافات كان يمكن أن تكون ضمن النطاق المعتاد والتقليدي بين البيت الأبيض والخارجية كما كانت بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون أو جورج بوش وكولن باول قبلاً. إلا أن إضافتها لأداء تيلرسون الميؤوس منه في الوزارة إدارياً ولوجيستياً بات يستعجل اليوم خروجه. فحتى الساعة تبقى مقاعد مساعد الشرق الأدنى ونائبي الوزير وسفارات حيوية فارغة. ديفيد ساترفيلد تمّ تعيينه في شكل موقت، ومايكل راتني يتولى اليوم حقائب سورية والعراق و«داعش» وعملية السلام ولبنان بسبب الفراغ الحاصل. أما الديبلوماسية الأميركية الفذة فهي غائبة في المنطقة وتيلرسون بعد جولته اليتيمة في الخليج، يفضل مزاولة مكتبه والتركيز على ملف واحد في آن فيما يتولى صهر الرئيس جاريد كوشنير ووزير الدفاع جايمس ماتيس الملفات الأخرى.
تسريب اسم بومبيو للمنصب يعكس جدية كبيرة لدى ترامب في استبدال تيلرسون. فمدير الـ «سي.آي.أي» مقرب من نائب الرئيس مايك بنس ومن النخبة الدفاعية وله خبرة طويلة تسهل المصادقة على تعيينه في الكونغرس. والأهم أن علاقته جيدة بترامب، وأقرب إلى وجهة نظر الرئيس الأميركي حول إيران وسورية والحرب ضد «داعش». أما تيلرسون، فالسؤال حول استقالته بات في خانة متى وليس هل، بعد تسعة أشهر من التهميش والفراغ في أروقة الديبلوماسية الأميركية.