لبنان بين المطرقة والسندان
أسبوع مضطرب سياسياً شهدته الساحة اللبنانية بعد مغادرة رئيس الوزراء سعد الحريري واستقالته عبر شاشة «العربية»، لحقها تصعيد خليجي في سحب رعايا السعودية والكويت والبحرين من بيروت ورفع النبرة الهجومية للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله في خطابه يوم الجمعة.
أسبوع على خروج الحريري وما من أفق للحل. لا عودة رئيس الوزراء اللبناني تبدو وشيكة، ولا وضوح حول الصورة الحكومية في بيروت، وإذا ما سيتم قبول الاستقالة في حال استمر غياب رئيسها أو التفاوض حول شروط العودة مقابل التراجع عنها (الاستقالة) وهو ما لمح إليه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. ما تبلور في الأيام الأخيرة كان مساعي لبنانية وفرنسية وأميركية وفلسطينية لوساطة بدأت ونجحت إلى حد ما في احتواء مسار التصعيد من دون أن تستنبط أي حل قريب.
الخيارات المتاحة أمام لبنان اليوم، وهي تتغير على وقع التطورات حوله وكون الأزمة إقليمية أساساً قبل أن تكون داخلية، تندرج في استمرار الواقع الحالي وغياب الحريري إلى حين الوصول إلى صيغة إقليمية مقبولة حول الحكومة ودور حزب الله الإقليمي. المسؤول الخليجي الذي تحدث للزميلة رندة تقي الدين (في «الحياة» أول من أمس)، أكد أن السعودية «كانت قبلت بالتسوية التي قام بها الحريري (مع الرئيس ميشال عون) من دون أن تكون راضية». جعجع بدوره فتح المجال أمام نقاش يبدو فلسفياً في هذه المرحلة أكثر من أن يكون واقعياً حول حصد تنازلات من حزب الله بخصوص «سلوكياته وإعلانه الانسحاب من كل أزمات المنطقة التي يشارك فيها». هذه الخطوط أي رفض التفاهم الحالي الذي أوصل للحكومة اللبنانية منذ عام، واقتناص تنازلات من حزب الله تبدو الهدف الأبعد للمرحلة.
الوصول لتنازلات كهذه يعني فعلياً زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على لبنان لحشر حزب الله والضغط على ما يعرف بـ «البيئة الحاضنة» للحزب وإضعافه داخلياً. إلا أن خطاب نصر الله حتى الساعة رفع سقف أي مفاوضات، وعبّر في تطرقه لأزمات العراق وسورية واليمن وللوضع في البحرين عن تشعب التعقيدات التي تصب اليوم في الساحة اللبنانية وبالتالي صعوبة حلها قريباً.
لبنان لا يملك خيارات كثيرة للمواجهة، وهو عالق اليوم بين الرفض الخليجي المطلق لنفوذ حزب الله الإقليمي، وبين ثقة الحزب وإصراره على الاستمرار في خوض، في شكل مباشر أو عبر تدريب عناصر وميليشيات، دوراً إقليمياً أبعد بكثير من الساحة اللبنانية.
خيارات التصعيد ضد لبنان تشمل سحب الودائع، أو وقف التبادل التجاري، أو الذهاب إلى قطيعة اقتصادية تعني طرد اللبنانيين في بعض دول خليجية. خطوات كهذه قد تأتي بكلفة كبيرة على الاقتصاد اللبناني المترنح اليوم، وتؤذي مع العقوبات الأميركية المتوقعة هذا الشهر البنية التحتية للبنان. أما عسكرياً، فهناك حديث عن ضربات متزايدة في الساحة السورية، قد تصل للحدود اللبنانية كالتي نفذتها إسرائيل في الشهر الفائت واستهدفت مصانع قرب حمص.
حزب الله بدوره لا يبدو في وارد التنازل العسكري، أو الانسحاب من سورية أو وقف الدعم اللوجيستي للحوثيين، ما يعني أن لبنان مرغم اليوم على الدخول في مرحلة من المواجهة المفتوحة إلى حين أن تتغير الحسابات.
هذه المواجهة بعد سنة على حكومة الحريري كانت مسألة اندلاعها مسألة وقت ليس أكثر، ولتطوي صفحة سياسة «النأي بالنفس» التي لم تكن يوماً مقنعة بأخذ في الاعتبار دور مجموعات لبنانية في الحرب السورية، وتأثير الحرب نفسها على لبنان. ويعني بدؤها مرحلة أكثر تعقيداً وحساسية في الداخل اللبناني، من دون أن يشترط ذلك اندلاع مواجهات عسكرية.