حدود قديمة لحرب جديدة

1

سمير السعداوي
يقول وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل إن العالم «في خضم حرب باردة جديدة» وسباق تسلح نووي بين الشرق والغرب، ويأخذ على الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب أنهما يؤمنان بأن العلاقات بين الشعوب والأمم هي «علاقات صراع، البقاء فيها للأقوى».
لا شك بأن كلام الوزير «الاشتراكي» يأتي في إطار حملة ذات دوافع سياسية على أبواب الانتخابات، إذ ضمّنه انتقاداً للمستشارة «الديموقراطية المسيحية» أنغيلا مركل على اندفاعها وراء ترامب في زيادة الإنفاق العسكري، ما اعتبره خطأ جسيماً. لكن ذلك لا يلغي واقع أن العلاقات الأميركية – الروسية عادت إلى سابق عهدها من التوتر الذي يتجلى واضحاً ومباشراً في بعض أوجهه، فيما يتخذ التوتر أوجهاً أخرى من الصراع غير المباشر وعبر أطراف ثالثة، كما حصل في أوكرانيا ويحصل في شبه الجزيرة الكورية، وصولاً إلى منطقتنا. والكلام عن حرب باردة جديدة، يجد مبرراته في الاشتباك الكبير بين القوتين العظميين سابقاً، المتجسّد تبايناً في السياسات حيال أزمات عدة، من أفغانستان إلى فنزويلا، مروراً بإيران وسورية وليبيا وغيرها من الدول التي يبدو أن ثمة سباقاً على إعادة صياغة التحالفات معها، في حين لا يرضى الأميركي بالتنازل عن مصالحه، ولا الروسي بخسارة «مناطق نفوذ تقليدية».
وفي هذا الإطار، ربما تكون أفغانستان من الدول القليلة التي انقلبت فيها الأدوار حيث تحولت روسيا إلى استخدام ورقة المقاتلين الأصوليين بعدما خاضت معهم عقداً من حروب العصابات، انتهت بكسر شوكتها وخروجها، لتحاول العودة بعد ربع قرن إلى الساحة الأفغانية عبر بوابة حركة «طالبان» فيما فشل الأميركي في استيعاب الدرس الذي دفع «الجيش الأحمر» إلى الانسحاب إلى حدوده الطبيعية آنذاك في جنوب القوقاز، قبل أن تبدأ مناطق نفوذه بالتداعي كأحجار الدومينو.
وعلى رغم كونهم أحد أفقر شعوب العالم، فإن الأفغان يجلسون على إحدى أغنى كنوز المعادن والتي تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، ما يبرر تصارعاً على دولة لا تملك منفذاً على البحر أو موقعاً جغرافياً استراتيجياً. وإلى جانب احتفاظها بملايين الأطنان من النحاس والحديد الخام ومعادن أخرى نادرة، فإن الأراضي الأفغانية تحتوي مخزوناً كبيراً من الألومنيوم والذهب والفضة. وتقدر «وحدة العمل» التابعة لوزارة الدفاع الأميركية المكلفة الاستقرار وإعادة البناء في أفغانستان، الثروات المعدنية في هذا البلد بـ908 بلايين دولار، في حين تتفق الحكومة الأفغانية مع عواصم إقليمية وخبراء مستقلين على أن هذه القيمة تناهز الـ3 تريليون دولار، وهذا فارق كبير لا يشي فقط بنيات الأميركيين في استغلال ثروات البلد، بل يثير شهية الروس إلى حصة في التسوية، وأيضاً في الثروة. ولا شك في أن سيد الكرملين بحاجة إلى خصم مثل ترامب في سدة الرئاسة الأميركية ليس كسلفه باراك أوباما الذي يكاد يفقدك أي ذريعة للتدخل في مواجهته. واستعادة الأميركيين عزمهم على استئناف عملياتهم العسكرية في أفغانستان وإرسالهم تعزيزات لمحاولة الحسم العسكري مجدداً ضد «طالبان»، قد تكون الفرصة التي انتظرها بوتين للعب دور مجدداً في هذا البلد الذي يعتبره أحد مناطق النفوذ التقليدية التي خسرتها موسكو في آخر أيام عهد السوفيات.
ثمة من يعتبر أن واشنطن وموسكو لم تغادرا قط خطوط التماس في الحرب الباردة وأن ما جرى من تطبيع لا يعدو كونه «هدنة» اقتضاها انهيار هيكلية السلطة في المنظومة السوفياتية، والتي سارع الاتحاد الروسي القائم على أنقاض الدولة العظمى إلى إعادة بنائها بمهلة قياسية، لتعود حدود الحرب الباردة إلى سابق عهدها.
نقلا عن “الحياة اللندنية”

التعليقات معطلة.