ابراهيم محمد الهنقاري
يعلم الله وحده عدد النكبات التي تعرض لها العرب عبر تاريخهم الطويل.
ومن نكبة البرامكة غير العرب على يد العباسيين التي اودت بحياة من أعانوا السفّاح في تأسيس دولته الى نكبة فلسطين على أيدي اكثر من جهة والتي منعت الفلسطينيين من إقامة دولتهم على ارضهم واودت بحياة شعب كامل واغتصاب وطنه ، بين النكبتين تاريخ طويل من الماسي والمعاناة التي تعرض لها المسلمون العرب والمسلمون العجم بين القرن الميلادي الثامن والقرن الميلادي العشرين كان أقلها الاستعمار وما خلفه من الفقر والجهل والمرض وأسوأها الانقسام وما خلفه من التشرذم والتجزئة والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد حتى ضللنا الطريق ولم نعرف وسيلة للخلاص تخرجنا من المأزق الذي نحن فيه.
حديثنا اليوم عن أسوأ النكبات العربية على الإطلاق وهي نكبة فلسطين.
والسؤال الاول والاهم الذي يفرض نفسه هنا هو : ” من المسؤول .!؟ “
من المسؤول عن نكبة فلسطين. !!
هل هم الفلسطبنيون .!؟
هل هم العرب. !؟
هل هم الإنجليز اصحاب وعد بلفور. !؟
هل هم الاوربيون الذين كانوا يبحثون عن وطن بديل لليهود لإبعادهم عن أوربا. !؟
هل هم الأمريكان الذين وجدوا في ما سمي “بإسرائيل” تكرارا لدولة الغرباء التي أقاموها في “العالم الجديد” وأسموها الولايات المتحدة الامريكية.!؟
هل هو الاتحاد السوفييتي الذي كان اول من اعترف بالدولة التي اغتصبت فلسطين لتهجر اليها يهود أوربا الشرقية التي كانت تحت النفوذ السوفييتي في ذلك الوقت باعتبارهم اشخاصا غير مرغوب فيهم .!؟
هل هو النظام العالمي الجديد الذي افرزته الحربين العالميتين الاولى و الثانية ممثلا في “عصبة الامم” ثم في
منظمة ” الامم المتحدة “.!؟
ام هو القضاء والقدر. !؟
ام هم كل اوليك. !؟
لا شك ان الشعب الفلسطيني كان وما يزال هو الضحية ولا يمكن ان يكون هو المتسبب في تلك النكبة . غير ان بعض “القيادات” من الفلسطينيين يتحملون تلك المسؤولية واوزارها بدرجات متفاوتة. انهم يتحملون المسؤولية
عن النكبات الثلاثة الرئيسيّة التي مرت بالشعب الفلسطيني الصابر وهي نكبة ١٩٤٨ ونكبة ١٩٦٧ وثالثة الأثافي وهي نكبة أوسلو ١٩٩٣ وهي “الاتفاقية ” التي اعترفت عبرها “منظمة التحرير الفلسطينية” بما يسمى بإسرائيل !! وتخلت عبرها ايضا عن ما يقرب من ٧٨٪ من أراضي فلسطين التاريخية لصالح المحتل الاسرائيلي مقابل إقامة ما سمي “بالسلطة الفلسطينية ” وهي اشبه بخيال الماتة ومقرها مدينة رام الله في جزء من الضفة الغربية المحتلة الملغومة بالمستوطنات الإسرائيلية وبالجنود الإسرائيليين .!! والتي لايتحرك اي “مسؤول فلسطيني ” فيها الا بتصريح من المحتل الاسراييلي . ولانه لم يتم استفتاء الشعب الفلسطيني عليها فان من يتحمل وزر هذه “الاتفاقية” المشؤومة ليس الشعب الفلسطيني بل اوليك النفر من الفلسطينيين الذين فاوضوا “العدو الاسرائيلي” في أوسلو ووقعوا معه تلك الاتفاقية التي لم تعترف بها معظم الفصائل الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما ومنها من اعتبر التوقيع على تلك الاتفاقية عملا يرقى الى درجة الخيانة العظمى للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية. ومع ذلك أصبحت تلك ” السلطة ” أمرا واقعا لدى معظم الفلسطينيين ولدى جميع الدول العربية ولدى المجتمع الدولي ايضا. وأصبح لها “وزراء” و “سفراء” ودبلوماسيون ووفود يجوبون العالم كممثلين لفلسطين التي لا تزال رغم تلك ” السلطة ” التي لا سلطة لها ترزح تحت الاحتلال الصهيوني.
في النكبة الاولى عام ١٩٤٨ تجمعت الكوارث على الشعب الفلسطيني من كل مكان. خيانات عربية ودولية. مؤامرات داخلية ودولية. الضعف السياسي والعسكري للدول العربية القليلة التي كانت مستقلة في ذلك الوقت. الدعم الدولي غير المحدود للعصابات الصهيونية التي اغتصبت فلسطين في ذلك الوقت. عدم التخطيط الجاد لدخول الجيوش العربية الى فلسطين. اطماع بعض الدول العربية بالاستيلاء على اجزاء من ارض فلسطين التاريخية وضمها الى دولهم التي كانت قايمة في ذلك الوقت مثل مصر والأردن. ( غزة والضفة الغربية ) وقبول السكان الفلسطينيين بذلك.
في النكبة الثانية عام ١٩٦٧ كان الفلسطينيون هم اكبر الضحايا واكبر المتضررين من هزيمة ثلاثة دول عربية على يد ” العصابات الإسرائيلية ” كما كان يحلو للإعلام العربي والناصري على الأخص ان يطلقوا على “جيش الدفاع الاسرائيلي” الذي هزمنا وهزمهم. وما نتج عن ذلك من احتلال كامل التراب الفلسطيني بما فيها الضفة الغربية التي كانت جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية وغزة التي كانت تحت الادارة المصرية يضاف إليهما هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية. كوارث يخجل التاريخ منها ولكنها حدثت بفضل الأمية السياسية العربية وجهل وفساد الأنظمة التي أنتجتها الانقلابات العسكرية التي قادها الضباط العرب المهزومون في فلسطين في بعض الدول العربية. ! وتامر بعض
الأنظمة العربية الاخرى مع القوى الدولية الداعمة لمغتصبي فلسطين وعدم جدية تلك الأنظمة لا في الدعم السياسي للشعب الفلسطيني ولا في الدعم المادي والعسكري للمقاومة الفلسطينية. التي اصبح البعض يصفها بالإرهابية. !! ولعل السبب في ذلك هو ان معظم تلك الأنظمة العربية ترتبط مصالح حكامها الاستراتيجية مع مصالح داعمي الأحتلال الاسرائيلي لفلسطين.!!
دون الحاجة الى القول ان بقاء تلك الأنظمة واستمرارها في الحكم إنما يعتمد على دعم تلك القوى لها. فانى لتلك الأنظمة ان تخرج من بيت الطاعة الذي توفره لها القوى الدولية التي تحميها وترعاها. وهكذا انعدمت المصداقية حتى في الدعم الظاهري الذي نراه احيانا ونسمع عنه احيانا اخرى وهو دعم مسموم ومغلف بالنفاق من تلك الأنظمةولا يقدم شيئا للحلم الفلسطيني الذي طال وشاخ حتى جاوز السبعين عاما فتحول من حلم الى كابوس. !!
ولعل اقرب مثال صارخ على ذلك موقف الدول العربية من القرار الخطير والظالم الذي اتخذه الرئيس الامريكي دونالد ترامب موخرا باعتبار مدبنة القدس المحتلة شرقها وغربها عاصمة “لإسرائيل” ونقل السفارة الامريكية في “اسرائيل” اليها. فقد شاهدنا ذلك الاجتماع الهزيل والذليل لوزراء الخارجية العرب الذين عجزوا عن اتخاذ اي قرار عربي يرقى الى مستوى القرار الامريكي الظالم وغير القانوني. وسمعنا الخلاف المعلن حول الدعوة الاردنية لعقد مؤتمر قمة عربية للرد على الموقف الامريكي. وحتى لو تم التوافق على عقد هذه القمة فلن يكون ما سيتمخض عنها أفضل مما خرج به ذلك الاجتماع الهزيل والذليل لوزراء الخارجية العرب. أليس اوليك الوزراء انفسهم هم الذين يحضرون ويعدون لكل قمة عربية. !؟
ولست هنا ألقي الكلام على عواهنه كما يقولون ولكنني اتحدث كشاهد عيان قادته ظروف عمله كمسؤول في حكومة المملكة الليبية خلال الفترة بين عامي ١٩٦٧ و ١٩٦٩ وهي كانت اخطر الفترات التي مرت بالعرب وبالفلسطينيين بين ما سمي بنكسة حزيران ومؤتمر القمة العربية ذي اللاءات الثلاثة المعروفة في الخرطوم والتي ألقي بها بعد ذلك في سلة المهملات العربية وما اكبرها، اقول ان ظروف عملي الرسمي في ذلك الوقت قد قادتني الى حضور الموتمرات العربية التي جرت قبل وبعد النكسة بين مؤتمر وزراء النفط العرب في بغداد يوم ٣ يونيو ١٩٦٧ ومؤتمر قمة الخرطوم في التاسع من اغسطس ١٩٦٩ وما بينهما. !
لم تكن تلك تجربة قاسية فقط بالنسبة لي كمواطن عربي ذي توجهات قومية ووطنية ولكنها كانت ايضا تجربة قاسية لانها كشفت لي ما لم أكن أتصوره عن الواقع الرسمي العربي. !! والمخجل هو ان هذا الواقع لم يتغير رغم كل هذه السنوات التي شهد فيها العالم تطورات وتغييرات كبرى في كل المجالات ولكننا نحن العرب لازلنا نعيش عصرنا الجاهلي الذي لا نريد ان نخرج منه ونتشبث به بكل ما اوتينا من قوة ومن ضعف أيضاً !. ولله في خلقه شؤون. !!
لا نهدف من هذا الحديث لا الى جلد الذات ولا الى التذكير بما هو معروف ولا البكاء على الاطلال السياسية العربية. انها مجرد محاولة لقراءة مختلفة لأسوأ ماساة عرفها العالم في العصر الحديث وهي ماساة الشعب الفلسطيني الصابر الصامد. ما نهدف اليه هو توعية الاجيال العربية الشابة بواقعنا العربي المؤلم والمخزي لعل هذا الجيل الجديد الشاب من العرب ومن أبناء فلسطين بالذات يجدون وسائل أفضل للتصدي للعدوان الصهيوني على فلسطين العربية والعمل على عودة فلسطين الى اَهلها بأسلوب مختلف عن الأسلوب الذي اتبعته الأنظمة العربية خلال السنوات السبعين الماضية. وسائل وأسلوب يقومان على التخطيط السليم والعلم الصحيح والرد الملائم على هذا العدوان كما ينبغي ان يكون الرد. وما ذلك على الله بعزيز اذا خلصت النوايا وتخلصنا من جاهليتنا الاولى ومن كل اخطاء الماضي القريب والبعيد.
لا نريد مزيدا من الشجب والاستنكار ولا المزيد من الاكاذيب الدبلوماسية ولا المزيد من الاجتماعات والمؤتمرات الجوفاء الفاقدة للمصداقية . نريد عملا عربيا جديدا وفعلا عربيا جديدا من جيل جديد من العرب ومن الفلسطينيين يدفع العالم الى تغيير نظرته لقضية فلسطين ويقف الى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من احل استرداد حقوقه المغتصبة في وطنه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.