جويس كرم
إطلاق موسكو مفاوضات الهدنة حول الغوطة الشرقية في مجلس الأمن، تسليح واشنطن لقوات سورية الديموقراطية وقصفها لما يقل عن مئة من المرتزقة الروس في الشرق السوري، وثم موافقتها على بيع أسلحة متطورة لأوكرانيا كلها مؤشرات على عودة الحرب الباردة إنما بعيار أقوى بين أميركا وروسيا.
وإذا كانت الحرب الباردة التي انتهت في ١٩٩١ أحاطها تنافس أيديولوجي وفكري حول نهج الحكم بين الليبرالية الديموقراطية والعقيدة الشيوعية، فإن مواجهة اليوم لا ترتقي إلى مستوى التنافس الأيديولوجي وهي في شكلها وأدواتها أشرس وأوسع، وتدور حول تقاسم النفوذ وخوض حروب استخباراتية وعمليات تجسس، وأخرى بالوكالة بأدوات وفرق مختلفة على الأرض.
وهذا الشهر، هناك اسم واحد يلخص هذه المواجهة وهو رجل الأعمال الروسي والأوليغارك المقرب من فلاديمير بوتين يفجيني بريغوزين. بريغوزين ووفق «واشنطن بوست» كان الوسيط بين الكرملين ونظام الأسد في تخطيط هجوم 7 شباط (فبراير) الفاشل ضد قوات سورية الديموقراطية ومعهم جنود أميركيين في شرق سورية، والذي ردت واشنطن عليه بالدفاع عن قواتها وإسقاط مئتي ضحية وفق رويترز من شركة «فاغنر» الروسية التي يشرف عليها بريغوزين.
مخطط بريغوزين في شرق الفرات لضرب الوجود الأميركي تم تنسيقه مع وزير الشؤون الرئاسية السوري منصور فضل الله عزام، وفيه بحسب تقارير استخباراتية على الأرجح أميركية تجسست على اتصالاته وعد الأوليغارك الروسي نظام الأسد بـ «بمفاجأة جيدة بين 6 و9 شباط (فبراير)» وأكد له عزام أنه «سيحصل على مستحقاته». المفاجأة انهارت أمام الطائرات الأميركية، ووجد بريغوزين نفسه بعد الاعتداء منزوع الغطاء من الكرملين الذي أبقى مسافة من الاعتداء، وأكد فقط مقتل خمسة أشخاص.
إلا أن اسم بريغوزين تكرر مرة أخرى في التحقيق في تدخل روسيا وإدانته من المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر الأسبوع الفائت، بتمويل والإشراف على حملة دعائية روسية داخل الولايات المتحدة روجت لدونالد ترامب وبيرني ساندرز وجيل ستاين وهاجمت هيلاري كلينتون. وما من شك أن الكرملين سينفي وقد يستخدم بريغوزين ككبش محرقة، إلا أن دوره يعكس حجم المواجهة وتعدد أدواتها بين الطرفين.
روسيا تحاول منافسة واشنطن في عقود النفط والغاز من جزيرة القرم وإلى الدول الخليجية وحتى تركيا، وحديثاً في لبنان حيث استحوذت شركة نوفاتيك على أحد العقود الثلاثة للتنقيب عن النفط والغاز. وهي تستخدم الورقة الكردية في سورية للمناورة مع أنقرة بفتح الأجواء حيناً والتشدد حيناً آخر.
هذه الرقصة الروسية تقلق الأميركيين خصوصا النخبة الاستخباراتية والخارجية والدفاعية. فعمليات القرصنة والتدخل في انتخابات 2016 كانت بحجم غير مسبوق من موسكو في الولايات المتحدة، كذلك محاولاتها أثارة الانقسام بين أميركا وحلفائها بينهم تركيا، ومواجهة الوجود الأميركي العسكري مباشرة في سورية. وفي حين كان الرد الأميركي دفاعياً حازماً وقاسياً، فإن الرد السياسي والاستخباراتي أصعب.
وحاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون في زيارته طمأنة أنقرة والبحث بحلول تستجيب لمطالب الجانبين، وفي بيروت الدخول على مفاوضات النفط والغاز وإيجاد حل مع إسرائيل حول «البلوك9».
ما هو مؤكد أن الاشتباكات الروسية – الأميركية لم تعد تحت الطاولة، والمواجهة دخلت مرحلة شرسة ومفتوحة في عدة ملفات وتطال علاقات جيواستراتيجية للطرفين. وفي حين تجاهلت الإدارة الأميركية المتعاقبة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، الخطر الروسي ورفضت التعامل مع بوتين بداية كتهديد استراتيجي، لا تمتلك إدارة دونالد ترامب سوى خيار المواجهة الذكية. وهي رغم العلاقة التجارية التي كانت لترامب مع الروس، ستنصاع لرأي المؤسسات الاستخباراتية والدفاعية، والتي ترى وتقدم أدلة للرئيس حول الإندفاعة الروسية الساخنة من شرق الفرات والى جزيرة القرم وحتى باستهداف الماكينات الانتخابية الأميركية.