رندة تقي الدين
عاد الكونغرس الأميركي إلى محاولة إدخال قانون يهدف إلى مقاضاة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتبني قانون بعنوان: «نوبك Nopec» لمنع الدول المنتجة للنفط من التنسيق حول الانتاج والتأثير في أسعار النفط. والمعروف أنه سبق للكونغرس منذ عام ٢٠٠٠ أن حاول مقاضاة على مقاضاة «أوبك» بإقرار مثل هذا القانون، إلا أن البيت الأبيض كان باستمرار يتصدى لذلك بـ «الفيتو». أما اليوم والرئيس دونالد ترامب ينتقد باستمرار سياسات أوبك، إذ غرد مرات عدة السنة الماضية متهجما على المنظمة، قائلا إنها «ترفع أسعار النفط»، وقال لرؤساء العالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي «ان دول أوبك تنهبهم».
السؤال اليوم: ماذا إذا تم تبني القانون؟ وماذا سيكون مفعوله على دول أوبك؟ الملفت أن اللجنة القضائية في الكونغرس التي أدخلت هذا القانون هذه المرة مكونة من نواب من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولكن بدأت «أوبك» تقوم بجهود عبر علاقات عامة مع الجمهور الأميركي الذي ينظر إلى منظمة الدول المصدرة للنفط كمنظمة تسبب له ارتفاع أسعار البنزين. وهناك في أميركا من يعتقدون أن «أوبك» وراء مآسيهم الاقتصادية.
اعترف الأمين العام لـ «أوبك» النيجيري محمد باركندو أن المنظمة أهملت شرح تاريخها وعملها للجمهور الأميركي، وأقر بذلك خلال مؤتمر مؤسسة سيرا في هيوستن، إذ قال: «إن «أوبك» منظمة تساعد في استقرار السوق عندما تكون الظروف هشة»، فأوبك تسعى إلى تهدئة الأسواق عندما يكون هناك نقص يؤدي إلى ارتفاع الاسعار، كما أنها تسعى إلى خفض الانتاج عندما يكون هناك فائض، لحماية مستوى أسعار معقولة تتيح استثمارات مستقبلية.
إن صورة «أوبك» في الولايات المتحدة ما زالت قائمة على أن المنظمة هي كارتل أو مجموعة احتكار وضعت حظراً على النفط في 1973 بعد الحرب الاسرائيلية – العربية. ولكن، على رغم شرح «أوبك» عمل المنظمة، فترامب والكونغرس قد يسيرون باتجاه إدخال هذا القانون، وإذا تم تبنيه يعطي الحق لوزارة العدل الأميركية أن تقاضي أوبك لتنسيق الانتاج النفطي. وفي حال تم تبني هذا القانون، من الصعب تطبيقه على المنظمة ككل، فـأوبك تضم دولاً تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على جميع الصعد، الاقتصادية والسياسية، في طليعتها دول الخليج الأعضاء في «أوبك» (السعودية والإمارات والكويت)، ثم أن سياسات «أوبك» أسهمت في استقرار أسعار النفط ومنعها من التدهور، ما أدى إلى زيادة النفط الصخري الأميركي. ومنتجو النفط الصخري الأميركي استفادوا بشكل كبير من ذلك. حتى ان المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول توقع «حصول الثورة الثانية من تطور النفط الصخري الأميركي»، وقالت وكالة الطاقة الدولية ان سنة ٢٠١٨ شهدت ارتفاعاً كبيراً في إنتاج النفط الأميركي بزيادة بلغت ٢،٢ مليون برميل يومياً، وهو مستوى نمو إنتاج غير مسبوق بحسب الوكالة، وتوقعت زيادة النفط الأميركي 4.1 مليون برميل يومياً من الآن إلى ٢٠٢٤، منها النفط الصخري بـ7.2 مليون برميل يومياً.
فلو تركت أسعار النفط تنخفض إلى مستويات متدنية جدا لما تمكنت الشركات الأميركية من الاستثمار في التنقيب والانتاج في هذا المجال. العالم بحاجة إلى «أوبك»، واليوم هناك دول داخل «أوبك» تعاني من مشاكل سياسية لها تأثير كبير في إنتاجها. فنزويلا، وهي منتج كبير للنفط في «أوبك»، ينخفض إنتاجها بشكل سريع بسبب سياسات رئيسها مادورو الكارثية وقبله شافيز الذي خرب القطاع النفطي الفنزويلي. وإيران تواجه العقوبات الأميركية بسبب سياسات النظام الإيراني التهجمية والمخربة في منطقة الشرق الاوسط. وليبيا ما زالت بعيدة عن الأمن والاستقرار، علما أن انتاجها النفطي تعافى بسرعة، لكن الظروف الأمنية في البلد هشة وأي أحداث بإمكانها أن توقف أو تخفض الانتاج مجددا. والجزائر أيضا تشهد ظروفاً سياسية متأزمة مع بقاء بوتفليقة في الرئاسة والتظاهرات ضد النظام، وحتى الآن لم يتأثر الانتاج الجزائري، لكن وضع البلد خطر إذا تفاقمت الأحداث، ما يطرح أسئلة حول استقرار انتاج النفط هناك. وعلى رغم مشاكل «أوبك» تبقى عنصراً مهماً للاقتصاد العالمي واستقرار أسواق النفط. ودول الخليج، في طليعتها السعودية أكبر منتج، تلعب دوراً أساسياً في هذا الاستقرار. وقانون «نوبك» لن يكون فاعلاً، أولا لصعوبة تطبيقه على مجموعة دول، وثانياً لأن العالم بأسره، وفي الطليعة الولايات المتحدة وقطاع الطاقة فيها، بحاجة إلى «أوبك» ودورها في الأسواق.