حرب أوكرانيا قد تحيي الخدمة العسكرية “الإلزامية” في ألمانيا

1

جندي ألماني في مهمة تدرييية في إقليم بافاريا

شكل الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 نقطة تحول في السياسة الأمنية والدفاعية الألمانية، وسجلت قرارات سياسية عدة للحكومة الفدرالية تقوم على تخصيص مليارات اليوروهات لإعادة تسليح الجيش وتجهيزه والتطويع والتدريب.

وقبل أسابيع، ظهرت نقاشات حول أهمية إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي وفق مفهوم جديد، مع النقص الحاد في عدد أفراد الـ”بوندسفير” (القوات المسلحة لجمهورية ألمانيا الاتحادية)، وأهمية امتداد حماية السكان من الأمن الداخلي إلى المهام الخارجية. وأثارت هذه النقاشات جدلاً حاداً بين مؤيد ومعارض للفكرة، من الناحية الهيكلية والدستورية والسياسية.

نقص المتطوعين

مثل العديد من مجالات العمل عامةً، يعاني الجيش الألماني نقص المتقدمين للتطوع، ويطمح وزير الدفاع بوريس بيستوريوس إلى رفع عديد أفراد الجيش لنحو 203 ألف جندي بحلول عام 2030، لا سيما أن عدده حالياً لا يتعدى 181 ألف جندي.

وفي هذا الإطار، دقت رابطة الجيش الألماني ناقوس الخطر، معتبرة أن العودة إلى التجنيد الإلزامي تعتبر الملاذ الأخير. حيث أبرز رئيس الرابطة أندريه فوستر في حديث مع صحيفة “راينشه بوست” أخيراً، أنه “ينبغي على قيادات الجيش أن توقف الاتجاه التراجعي في ما يتعلق بعدد الجيش بحلول نهاية العام على أبعد تقدير، وإلا فإن الاستعداد العملياتي يهدد بالانخفاض إلى مستوى لا يمكن تبريره”.

وفي هذا الصدد، نصح الجنرال الألماني في حلف شمال الاطلسي يورغن يواخيم فون ساندرارت، والذي يتولى القيادة العامة لقوات الناتو في بولندا وسلوفاكيا والمجر ودول البلطيق، بالمزيد من الردع ضد روسيا،  متوقعاً أن تقوم الأخيرة بتسليح نفسها على نطاق واسع بعد حرب أوكرانيا. وأوضح أنه إذا ما حققت روسيا نجاحاً عسكرياً في أوكرانيا فسيكون هناك قلق من أن تختبر موسكو حدود دول الحلف.

ووفقاً للدوائر الأمنية الغربية، تعتبر دول البلطيق مثالية للهجوم بحكم موقعها المكشوف على الروس. وهناك قلق خاص على إستونيا ولاتفيا وليتوانيا في هذا الصدد.

وتتطلع ألمانيا لعدم المشاركة بأي بعثات أممية أجنبية كبيرة لجيشها مستقبلاً، كما كانت الحال في أفغانستان ومالي، على أن تبقي على الارتباطات الأصغر، ومن بينها التدريبات التقنية ومجال المشورة العسكرية، لا سيما أن الهدف يبقى بعدم ترك الميدان للتوسع أو السيطرة الروسية أو الصينية، لأن ذلك ستكون له تبعات أكثر خطورة.

السويد نموذجاً

وكان التجنيد في ألمانيا إلزامياً لمدة 55 عاماً، لكن تم تعليقه من عام 2011، ولم يُلغَ.

وحالياً، أضحى ملف إعادة تفعيل التجنيد الإلزامي جزءاً من مهمة وزير الدفاع الألماني، والذي يقع على عاتقه التفكير في كيفية إعادة تشكيل الجيش الألماني بأفضل طريقة ممكنة. ومن هذا المنطلق، أكد الوزير في حديث مع صحيفة “دي فيلت” أخيراً، أنه سيتحقق من جميع النماذج التي يمكن تصورها للتأكد من جدواها بالنسبة لألمانيا، حتى يكون هناك خيارات مختلفة للعمل وأكثر جذباً للجيش. والأهم إمكانية تكوين أغلبية سياسية لاعتماده، لا سيما أن هناك عدداً من القوى تعتبر أن التجنيد لا يسمح بتكوين جيش محترف على المدى الطويل… لتضمن تلك الأغلبية اتفاق الائتلاف الحاكم بأنه يجب أن يكون الجيش الألماني مستقراً ومتوازناً.

وبخصوص الحلول المطروحة، ذكر الوزير بيستوريوس صراحة نموذج السويد، التي أعادت التجنيد الإلزامي عام 2018 بعدما واجهت البلاد صعوبات في تزويد الوحدات القتالية على أساس طوعي.

وهذا ما أيدته المفوضة العسكرية لـ”البوندستاغ” إيفا هوغل، واصفة فكرة الخدمة الإلزامية التي يمكن تأديتها في القطاع العسكري أو المدني لمدة 12 شهراً، بأنها جديرة بالمناقشة. وأكدت هوغل أن مناقشة المفاهيم المطروحة بطريقة هادئة أمر ضروري، وشددت في حديثها مع وكالة الأنباء الألمانية على أن هناك شيئاً وحيداً واضحاً، وهو أن لا أحد يريد العودة إلى التجنيد الإجباري التقليدي، وأن الأمر يتعلق بمفهوم جديد، يشمل اعتماد حوافز بينها المادية أو مكان التدريب والتعليم، وربما مكافآت لتوفير التقاعد.

وبالنظر إلى الوضع في السويد، ووفقاً لما ذكرت شبكة “إيه آر دي” الإخبارية نقلاً عن كاميلا أسب من هيئة الحماية والتأهب الاجتماعي، فإن كل من يعيش في السويد ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و70 عاماً، ومن بينهم الأجانب، ملزم بالمساهمة في الدفاع، سواء ضمن القوات المسلحة أو لحماية السكان، والحفاظ على الوظائف الاجتماعية المهمة مثل الرعاية الصحية والنقل والإطفاء وغيرها، وذلك تحت مسمى “خدمة المجتمع الإجبارية”، باعتبارها الركيزة الثالثة للدفاع الشامل وهي توازي بأهميتها الخدمة العسكرية. 

تباينات بين الأحزاب

في وقت رأى المستشار الألماني المنتمي للحزب الاشتراكي الديموقراطي أولاف شولتس، أن الخدمة العسكرية الإجبارية ليس لها معنى بعدما تحول الجيش الألماني إلى “جيش محترف”، اعتمد الحزب المسيحي الديموقراطي (أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ) في مسودة برنامجه الجديد فكرة “عام اجتماعي” إلزامي.

ويوضح الأمين العام للحزب المسيحي الديموقراطي كارستن لينمان مع مجموعة “فونكه” الإعلامية أن هذا من شأنه أيضاً أن يمنح الجيش الألماني دفعة من الجاذبية، واستكمال المجند عامه في صفوف البوندسفير. ويروّج الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير لفكرته بما يسمى الوقت الاجتماعي الإلزامي، وأن تكون المدة بين 6 إلى 12 شهراً، على أن يتسنى لصاحب الخدمة إكمالها في مراحل مختلفة من الحياة.

بدورها، رفضت رئيسة لجنة الدفاع في الحزب الليبرالي الحر ماري أغنس ستراك تسيمرمان، مقترحات وزير الدفاع لزيادة عدد الجيش الألماني على أساس نموذج التجنيد المعتمد في السويد. وبدلاً من ذلك، دعت إلى إدارة حديثة للموارد البشرية بعد انتقادها لأساليب التوظيف الحالية، مشددة على ضرورة تدارك الاستجابة البطيئة للطلبات للملء الثابت في عدد البوندسفير.

أما حزب الخضر، فلا يؤمن بإعادة تطبيق التجنيد العسكري الإجباري، لأنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من التكاليف ولن يزيد بالضرورة من الجهوزية العسكرية. حتى أن الزعيم المشارك للحزب البيئي أوميد نوريبور اعتبر أخيراً مع وكالة الأنباء الألمانية أنه “لن يكون هناك فائدة منه على الإطلاق”.

التعليقات معطلة.