مقالات

حرب اطفاء الانوار بين الولايات المتحدة وروسيا

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
تتصاعد لغة التهديد ومنطق القوة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في مختلف واجهات الصراع ومجالاته السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية وغير ذلك. وسواء كانت تلك الحرب بينهما على الأرض أو تحتها, أو في الفضاء. وهذا الأخير بالطبع قد عاد في الآونة الأخيرة إلى الواجهة الدولية، رغم التأكيد على أنه لم يغب أصلا منذ ستينيات القرن الماضي عن ملامح الصراع والمنافسة بين القوتين، في ما أطلق عليه حينها بالحرب الباردة.
على أنه وفي الفترة الأخيرة بدأت تبرز إلى الواجهة صور جديدة أو ربما الأصح متجددة، أو قديمة بلباس الحاضر وأدواته المعاصرة لتلك الأشكال من الصراع والمنافسة بين الدولتين، خصوصا المتعلق منها بالحروب الفضائية الإلكترونية، أو تلك المتعلقة بأدوات الحرب الرقمية والتكنولوجية المعاصرة (حيث تتميز المنافسة هنا من خلال التنافس على تطوير الأسلحة الفضائية والتكنولوجية المعلوماتية، وهي حقائق واقعية منها ما تم تفعيله واستخدامه على أرض الواقع كصواعق المعلومات كما حدث في يوغسلافيا في العام 1999م، وشعاع الألم، ومنها ما يتوقع تفعيله خلال السنوات القليلة القادمة كأسلحة البلازما والمايكروويف وغيرها)(١)
ومن أبرز الأمثلة المتعلقة بحرب الكهرباء، أو حروب الطاقة الكهربائية، تلك التي (يعود تاريخها الحقيقي الناجح إلى العام 2015، تحديدا الحرب الروسية الأوكرانية، حين قامت روسيا بالهجوم الإلكتروني على منشآت الكهرباء في أوكرانيا ونجحت بالفعل في قطع الكهرباء عن آلاف الأشخاص)(٢).
وحرب الكهرباء بين الولايات المتحدة وروسيا هي تلك الحرب التي تستهدف فيها كل دولة تدمير أو تخريب شبكات وأدوات الطاقة للدولة الأخرى، خصوصا الكهربائية منها. وبالفعل فقد تعرضت كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا إلى هذا النوع من أشكال التخريب، ولكن وعلى ما يبدو أن تكتما أحيانا وعدم الرغبة في الاعتراف في أوقات أخرى، يسود العلاقة بين الطرفين حول هذا النوع من اشكال الصراع والحرب، رغم نبرة وشدة الحوار وكيل الاتهامات حول هذا الأمر بينهما بطرق غير رسمية في أكثر الأوقات.
فعلى سبيل المثال أكدت تقارير إعلامية أميركية كتقرير صحيفة نيويورك تايمز الأميركية (أن هناك تقارير رسمية تفيد بضلوع “جنود حرب إلكترونية أميركيين في زرع فيروسات الكمبيوتر داخل الشبكة الكهربائية الروسية”، إلا أن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية الكرملين رد قالا إن ما قالته الصحيفة لا يزيد عن كونه مجرد مزاعم وافتراضات، وأثار التقرير شكوك الخبراء واستنكار الرئيس ترامب. وقالت الصحيفة في تقريرها إن “شفرة” أميركية قد تم نشرها داخل العديد من عناصر شبكة الكهرباء الروسية. وأضافت أن هذا الأمر كان تصعيدا من بين أعمال أخرى تقوم بها الولايات المتحدة للتصدي للمعلومات المضللة وحملات الاختراق التي تقوم بها روسيا).
أما على الجانب الآخر وفي هذا السياق كذلك يقول خبراء أميركيون إن تقرير دراجوس لم يأتِ بجديد، فقد حذرت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الاتحادي منذ 2012 الإدارات الأميركية من أن روسيا أدخلت برامج ضارة قد تخرب محطات الطاقة الأميركية، أو خطوط أنابيب النفط والغاز، أو إمدادات المياه في أي صراع مستقبلي مع الولايات المتحدة، ولكنها لم تجد آذانا مصغية.
في وقت أكدت فيه تقارير إعلامية روسية موازية أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصدد، أقصد (التوغل الرقمي في شبكة الطاقة الكهربائية الروسية، أشبه برسالة التحذير الأميركية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كذلك تعد استعراضا لقدرات الإدارة الأميركية على استخدام الأدوات الإلكترونية بصورة أكثر عدوانية. يضاف إلى ذلك أن هذه الخطط السرية تأتي بالتوازي مع العمليات التي استهدفت وحدات التضليل والتسلل الروسية خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس 2018 )، في وقت تتهم فيه الولايات المتحدة الأميركية بدورها روسيا باستخدام برمجيات مشابهة تستهدف تدمير محطات الطاقة الأميركية “الكهرباء والمياه وخطوط أنابيب النفط تحديدا”.
إذًا هناك أدلة قوية على استخدام هذا النوع من تكنولوجيا الحروب المستقبلية بين القوتين منذ عقود، ولكن هذه المرة حول إدخال كل منهما في عالم من الظلام الدامس، الأمر الذي يرفع من سقف التهديدات القادمة من جهة، وزيادة مساحة الصراع بينهما من جهة أخرى. الأمر الذي يؤكد أن القادم سيشمل المتوقع وغير المتوقع من الأسلحة وأدوات المنافسة والحرب الفضائية، والتي أتصور أنها لن تقتصر على الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بل ستشمل كل القوى الدولية المعاصرة، حتى الصغيرة منها والتي تمتلك المال لشراء التكنولوجيا وأدوات الحرب المستقبلية.
١- محمد بن سعيد الفطيسي, الحروب القادمة ستبدأ من الفضاء, موقع الحوار المتمدن , تاريخ النشر 1يونيو 2008 تاريخ الدخول 21 يونيو 2019م .
٢- رغيد ايوب , حرب الكهرباء.. أميركا أم روسيا من يطفئ النور؟ موقع الجزيرة للأخبار , تاريخ النشر 17يونيو 2019 , تاريخ الدخول 21يونيو2019