اخبار سياسية

حرب السودان… تعثّر في اجتماع المنامة وكسر عظم ميداني

معارك السودان لا تتوقف.


بعد إخفاق “الإيغاد” في إيجاد حل ينهي الحرب في السودان، عاد التركيز على منبر جدة قبل أن تطفو إلى السطح معلومات عن لقاءات جرت في المنامة، تمهيداً لجولة مرتقبة من المفاوضات في وقت يشهد الميدان أعنف المواجهات في الخرطوم وكذلك شمال إقليم دارفور، حيث آخر معاقل الجيش في المنطقة.

توقف موقّت لاجتماعات المنامة
أكدت مصادر سودانية لـ”النهار العربي” صحة الأنباء عن لقاء جمع وفداً من الجيش بآخر من “قوات الدعم السريع” في العاصمة البحرينية المنامة خلال الشهر الفائت. وقالت المصادر إن اجتماعاً في العشرين من كانون الثاني (يناير) قد جمع مساعد القائد العام للجيش الفريق شمس الدين كباشي بالرجل الثاني في “الدعم السريع” عبد الرحيم دقلو بحضور ممثلين عن دول خليجية وعربية وغربية، قبل أن تتواصل الاجتماعات وصولاً لعودة الوفد الممثل للقوات المسلحة الأربعاء لبورتسودان، معتبرة أن ما جرى هو بمثابة تحضير لمنبر جدة الذي يتوقع استئناف المباحثات فيه منتصف الشهر الحالي، وفقاً للمصادر التي لفتت إلى أن توقفها حالياً سببه مطالب عالية السقف قدمها “الدعم السريع” وترتبط بمستقبله في الحياة السياسية بعد الحرب والحفاظ على امتيازاته السابقة، متوقعة استئناف التواصل في الفترة المقبلة.

وذكرت معلومات أخرى أن سبب التوقف هو استعادة المؤسسة العسكرية علاقاتها بإيران. وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من الطرفين حيال لقاءات المنامة، كان لافتاً البيان الصادر عن قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) والذي عاد للتمسك بمخرجات “الإيغاد” داعياً لتجاهل مقاطعة حكومة الخرطوم للمنظمة الأفريقية التي أكد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في خطاب ضمن قاعدة عسكرية في كسلا قبل أيام رفضه ما يصدر عنها، داعياً رئيس الحكومة السابق والمسؤول في تنسيقية القوى المدنية (تقدم) عبد الله حمدوك للقاء داخل السودان. وعلم “النهار العربي” أن وفداً من “تقدم” قد توجه إلى جوبا عاصمة جنوب السودان للقاء الرئيس سيلفا كير، وسط توقعات بإمكانية ترتيب اللقاء مع البرهان داخل السودان.

“منبر جدة لا يزال الأكثر تأثيراً”
يعتبر عضو اللجنة الإعلامية لـ”قوى الحرية والتغيير” و”المؤتمر السوداني” حسام أبو الفتح أن المعلومات عن اجتماع البحرين تشير إلى أهمية فكرة أن لا خروج للسودان من كارثته إلا عبر استعادة “روح الحوار لا القتال”، ويقول لـ”النهار العربي”: “نرى بأن منبر جدة لا يزال صالحاً وهو الأكثر تأثيراً وأثبت قدرته على تحقيق نتائج والوصول لتفاهمات – بغض النظر عن عدم التزام الأطراف بها – ونعتقد أن العودة إليه هو الخيار الصحيح والأمثل، لكن ينبغي عمل تغييرات في منهجيته ليصبح أكثر قدرة على التأثير، وينبغي رفع تمثيل وفود التفاوض بتفويض أكبر، كما نرى ضرورة توسيع أطراف الوساطة لتضم دولاً إقليمية مؤثرة على أطراف الصراع وكذلك يجب منح مزيد من الأدوار الإيجابية للمدنيين ما عدا المؤتمر الوطني وواجهاته”.

وبالحديث عن مطالب الطرفين يرى أبو الفتح أنها مسألة متوقعة في بداية أي تفاوض، مع أهمية إبقاء قنوات الحوار والتواصل مفتوحة بشكل فاعل. ويقول: “من الضروري خروج المظاهر العسكرية من الأعيان المدنية بما يعني خروج أي قوات من منازل المواطنين ومن كل المرافق المدنية، كما يجب أن يتم عزل كل القوى الإسلامية المؤثرة والمُختطفة لقرار القوات المسلحة. هذه مسائل مهمة، لكن أيضاً من الضروري الوصول لاتفاق بشأن آلية فصل القوات ومراقبة أي اتفاق بين الطرفين لضمان تنفيذه”.

اشتباكات في الفاشر وتقدّم للجيش في الخرطوم
ميدانياً، سجلت الساعات الماضية مواجهات بين الجيش و”الدعم السريع” في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وأفادت مصادر محلية لـ”النهار العربي” عن اندلاع معارك عنيفة وسقوط قذائف الهاون على الناحية الغربية والشمالية من المدينة. وأشارت المصادر إلى تعزيزات من “قوات الدعم السريع” تنتشر من الجهة الشرقية وشمالاً حيث تتركز معسكرات للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا 2020، فيما تقع نقاط تمركز الجيش منطقة غرب الفاشر، التي تضم أعلى نسبة للنازحين في إقليم دارفور، وباتت تعاني من أزمة غذائية حادة بسبب انقطاع الممرات التي تسلكها القوافل الإنسانية من ولاية النيل الأبيض إلى شمال دارفور، وهي المعقل الأخير للجيش في الإقليم، إذ يسيطر “الدعم السريع” على ولايات جنوب وشرق ووسط وغرب دارفور.

أما في العاصمة الخرطوم، فقد شهدت مدينة أم درمان تقدماً للجيش مع اقتراب الوصل بين منطقة كرري شمالاً ومعسكر سلاح المهندسين جنوباً، ودخول إمداد للمنطقتين من قاعدة وادي سيدنا الجوية. وتحدث ناشطون ميدانيون عن استعادة الجيش لنقاط تمركز تشرف على السوق الشعبي والمدينة القديمة، فيما لا يزال عناصر لـ”الدعم السريع” يتمركزون في مبنى الإذاعة والتلفزيون جنوب شرق المدينة، قرب نقطة التقاء النيلين الأزرق والأبيض.

ربط الميدان بالمفاوضات
يعتبر المحلل السياسي أحمد ود عبد الله أن تسارع العمليات العسكرية في الخرطوم ودارفور يؤشر بشكل واضح لرغبة كل طرف بحسم ميداني يقوده للتفاوض، على حد تعبيره. ويعلق في اتصال مع “النهار العربي”: “المعارك في الخرطوم تشهد تقدماً مهماً للجيش، وهذه المرة لم تنسحب القوات بعد تمشيط أي منطقة، بل تقوم بنشر ارتكازات لها، على عكس عمليات سابقة كان الدعم السريع يعود خلالها للانتشار بسرعة. ولذلك، فإن استعادة أم درمان وبعدها مدينة بحري ستسمح بالتوسع جنوباً للخرطوم وود مدني في الجزيرة”. بيد أن ود عبد الله يرى في هجوم “الدعم” في دارفور محاولة لإنهاء وجود الجيش في الإقليم ضمن معادلة الخرطوم مقابل دارفور، قائلاً: “دخول الجيش أي مفاوضات بعدما يُخرج قوات الدعم بالقوة من المرافق الحيوية والبيوت في العاصمة والجزيرة، هو ورقة ضغط تقابلها خسارة دارفور لصالح الدعم السريع”.