حرب تسريب الوثائق في العراق: صراع سياسي بأدوات أخرى

1

 

باتت ظاهرة تسريب الوثائق والمخاطبات الرسمية العراقية، أحد وجوه الفساد الإداري في بلاد الرافدين، إذ عادة ما تجد طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً “فيسبوك” و”تويتر”، وهو ما يحرج الحكومة العراقية التي اضطرت في أكثر من مناسبة إلى التعهد بفتح تحقيق حول الجهات التي سرّبت تلك الوثائق، تحديداً العسكرية والأمنية منها ومحاسبة المتورطين فيها. ولا يقتصر الأمر على دائرة أو مؤسسة بعينها، إذ إن الأمر يشمل جميع مفاصل الحكومة ووزاراتها والمؤسسات التابعة لها، والتي تتضمن على الأغلب قرارات مصيرية بشأن إجراءات مستقبلية أو أحداث ماضية، بالإضافة إلى احتواء بعضها على هوامش لمطلوبين للقضاء، بتهم عدة، منها الإرهاب واختلاس المال العام. وليس بطيئاً انتشار هذه الوثائق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها “فيسبوك”، الأكثر استخداماً عند العراقيين، ليتم عبرها شرح مضامين الوثائق والغرض منها، فضلاً عن أسباب صدورها والجهات المخولة بإصدارها. وعادة ما يعمل العراقيون على تحليل الكثير من تلك الوثائق، لا سيما المرتبطة بأسماء مهمة في الدولة، وتورّطهم بالتوقيع على ما لا يخدم المصالح العامة للشعب. وفي العديد من المرات يحصل أن تنتشر وثيقة عن حادثة ما، ويعرف المسؤولون عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

الصراع الحزبي بين الكيانات السياسية هو السبب وراء تسرّب وثائق معينة


وتتعامل وسائل الإعلام المحلية في العراق، بانتقائية شديدة مع ما يُسرّب من وثائق، بالاعتماد على موظفين مقربين من السلطات العليا، وأبرزها الحكومة والبرلمان، وهم متحزبون، إذ يتم تسريب ما ينفع حزباً معيناً لضرب خصمه، والأمر نفسه مع موظفي الحزب ـ الخصم، الذين تجنّدهم وسائل إعلامية لضرب أحزاب أخرى. وهكذا تجري العملية بحسب مسؤولين وبرلمانيين، ناهيك عما يسربه المسؤولون أنفسهم عبر الإعلام، لضرب خصومهم. أما الأحزاب الهادئة التي لا تتعامل وسائل إعلامها بابتزاز الآخرين، مثل الفضيلة والمجلس الأعلى، وبعض الأحزاب مدعية المدنية في البلاد، بالإضافة الى الأحزاب الكردية، فتعمل، وفق مراقبين، بمبدأ “لا تكشف وثائقي ولك مني الكتمان”.

وتعرّضت الحكومة إلى حرج كبير جراء تسرب وثائق رسمية مرتبطة بعمل مجلسي الوزراء والبرلمان، بحسب مصدر مقرب من مكتب رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، الذي قال لـ”العربي الجديد”، إن “تسرّب المخاطبات السرية من الدوائر والمؤسسات الحساسة، بات ظاهرة يعمل عليها الصحافيون والموظفون في هذه الدوائر، بالإضافة إلى تكريس مفهوم الاجتهاد الشخصي من قبل بعض المسؤولين لضرب خصومهم”.

وذكر أن “مجلس النواب أقرّ قانوناً عام 2016، وصادق عليه رئيس الجمهورية، ينصّ على الحفاظ على الوثائق ذات الأهمية الأكاديمية والتاريخية العائدة إلى دوائر الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما في ذلك الهيئات والجهات غير المرتبطة بوزارة، بالإضافة إلى الوثائق العائدة إلى دوائر الدولة والقطاع العام، والوثائق المالية والأمنية والسياسية والاقتصادية العائدة إلى مؤسسات النظام السابق. وما أثار ضجة شعبية وقتذاك هو تضمين وثائق الأحزاب، ولكن مع ذلك لم يمنع هذا القانون الصحافة وبعض المسؤولين من تسريب الأوراق الحكومية المهمة”.

من جانبها، كشفت النائبة ندى شاكر عن أن “أطرافاً حزبية داخل الوزارات والمؤسسات الحساسة والمهمة، تقوم بتسريب الكتب الرسمية، وكل طرف منها يحاول إسقاط الحزب الآخر المنافس له في العمل أو الصفقات عبر الإطاحة به وفضحه أمام الرأي العام، بشبهات فساد. مع العلم أنهم كلهم مشاركون بهذا الفساد”. ولفتت، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الصراع الحزبي بين الكيانات السياسية هو السبب وراء تسرّب وثائق معينة، من أجل ضرب أحزاب أو جهات أخرى. وبهذه الطريقة لن نتمكن من بناء دولة قوية أبداً”.


بدأت وسائل إعلام محلية استمالة موظفين من أجل تسريب وثائق مهمة وخطيرة


إلى ذلك، اعتبر الباحث بالإعلام محمد وذاح أن “وكالات الأخبار العالمية وبعض الصحف العربية، لها متعاونون من موظفي الدولة الذين يخدمون في مراكز السلطة الحساسة، لذا فإن الإعلام العربي والغربي في تطور مقارنة بالإعلام المحلي. ومن هذا المنطلق، بدأت وسائل إعلام محلية باستمالة موظفين في الوزارات والدوائر الأمنية من أجل تسريب وثائق مهمة وخطيرة، مقابل رواتب شهرية تعطيها المؤسسات الإعلامية والصحافية للموظفين”. وأشار لـ”العربي الجديد”، إلى أن “هذا الأمر يعتبر أدوات بث ونشر معلومات محلية عن طريق عيون ومخبرين في دهاليز مقرات الرئاسة والوزارات، وهي جاسوسية إعلامية وتوظيف جديد للإعلام في دائرة التجسس المخابراتية، لذا على المسؤولين في دوائر صنع القرار، حين يتناهى إلى سمعهم خبر مسرّب عنهم ومعلومات عن مجالسهم وخططهم، فإن عليهم إعادة النظر بالأشخاص الذين يعملون بقربهم من الإعلاميين والمستشارين”.

أما الصحافي محمد عماد، فرأى أن “تسريب الوثائق من مؤسسات الدولة يتم عن طريق بعض الموظفين، الذين رشحتهم الأحزاب للخدمة في دوائر الحكومة الحساسة، وهم يعملون على تسريب هذه الوثائق، لقادة أحزابهم أو مسؤولين في الأحزاب، والأحزاب هي من تقوم بتسريب بعض الوثائق من أجل إحراج الحكومة أو الضغط عليها. وتمارس هذه الطريقة على الأغلب لإحراج الوزراء من أجل الحصول على صفقات أو مقاولات تخدم فسادهم”. وأوضح لـ”العربي الجديد”، أنه “بسبب تعاظم الظاهرة منعت بعض المؤسسات الأمنية الموظفين من إدخال الهواتف الذكية إلى مقار عملهم، لمنع تسريب أي وثيقة، وأول دائرة باشرت بالأمر، هي وزارة العدل، وهي على هذا الحال منذ أكثر من أربع سنين”.

قانونياً، شرح القاضي سليمان الزوبعي، لـ”العربي الجديد”، أن “من حق وسائل الإعلام نشر ما تحصل عليه من معلومات ووثائق حقيقية غير مزورة، ولا يحق لأحد محاسبة أي وسيلة إعلامية على نشر وثيقة ما، لعدم وجود قانون يحكم الإعلام بنشر أوراق تم الحصول عليها، المهم أن تكون الوثائق والأوراق غير مزورة. وعلى الطرف المتضرر من الوثيقة أن يتوجه إلى المحاكم إذا كانت الوثائق غير حقيقية”.

التعليقات معطلة.