على مدى عقود، كانت الحرب بين حزب الله وإسرائيل واحدة من أبرز التحديات في المنطقة، تمثل مواجهة بين مشروعين متناقضين: الأول يسعى لتثبيت نفوذه الإقليمي من خلال “المقاومة”، والثاني يسعى لترسيخ أمنه وحدوده عبر استراتيجيات عسكرية ودبلوماسية معقدة. الحرب الأخيرة، بما حملته من تطورات عسكرية وسياسية، قدمت العديد من الدلالات والدروس والعبر التي لا تقتصر على طرفي النزاع، بل تمتد لتشمل لبنان والمنطقة بأكملها .
الدلالات السياسية والعسكرية
1. تغير موازين القوى:
أظهرت الحرب الأخيرة تغيرًا واضحًا في التوازن العسكري. فعلى الرغم من القدرات الصاروخية والتكتيكات التي يعتمدها حزب الله، أثبتت إسرائيل قدرتها على توجيه ضربات دقيقة ومؤثرة، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل استراتيجية الحزب القائمة على الردع بالصواريخ .
2. التغيرات الإقليمية والدولية:
تأتي هذه الحرب في سياق دولي متغير، حيث تسعى دول إقليمية ودولية لإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة. الدعم الإيراني لحزب الله بدا أقل وضوحًا، في ظل انشغال طهران بأزماتها الداخلية والدولية، مما جعل الحزب يواجه تحديات أكبر في التمويل والتسليح .
3. التأثير على الداخل اللبناني:
الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين حزب الله وإسرائيل، بل كانت أيضًا صراعًا ينعكس على الداخل اللبناني. الأضرار الاقتصادية والبنية التحتية التي لحقت بلبنان أثارت استياء شعبيًا واسعًا، خاصة مع تحميل كثيرين الحزب مسؤولية جر البلاد إلى حرب لا تخدم المصالح الوطنية .
الدروس المستفادة
1. ضرورة الفصل بين الدولة والفصائل المسلحة:
أكدت الحرب أن وجود فصيل مسلح خارج إطار الدولة يشكل عبئًا على السيادة الوطنية. لبنان بحاجة إلى بناء دولة قوية تُمسك بزمام القرار السياسي والعسكري، بعيدًا عن الهيمنة الحزبية .
2. المصلحة الوطنية أولاً:
يجب أن يكون أي قرار سياسي أو عسكري مرتبطًا بمصلحة لبنان وشعبه، وليس بأجندات خارجية. الحروب التي يخوضها حزب الله تسببت في تدمير البنية التحتية، واستنزاف الاقتصاد، وتهميش الأولويات الوطنية .
3. أهمية التفاهمات الإقليمية:
أثبتت الحرب أن الاستقرار في لبنان والمنطقة لا يمكن أن يتحقق دون تفاهمات إقليمية ودولية تضمن مصالح الجميع، بعيدًا عن سياسات المحاور والتصعيد .
العبر المستخلصة
1. قوة الردع ليست كافية:
ركز حزب الله على بناء قوة ردع عسكرية، لكنه أهمل أهمية القوة الدبلوماسية والتنموية، ما جعله عاجزًا عن تحقيق انتصارات مستدامة .
2. أمن إسرائيل ليس ملفًا هامشيًا:
الحرب أكدت أن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لأمنها، وأنها ستلجأ إلى كل الوسائل، العسكرية والدبلوماسية، لتحقيق ذلك .
3. التغيير الداخلي ضرورة:
الداخل اللبناني بحاجة ماسة إلى إصلاح سياسي واجتماعي يعالج جذور الأزمات، ويمنع أي جهة من فرض أجنداتها على حساب المصلحة العامة .
حرب حزب الله مع إسرائيل ليست مجرد فصل في صراع طويل، بل هي محطة تحمل الكثير من الدلالات والدروس التي يجب أن تُقرأ بتمعن. بين انقسامات الداخل، وتغيرات المنطقة، وضغوط المجتمع الدولي، يظهر بوضوح أن المرحلة القادمة تتطلب إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها هذه المواجهات، لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وأقل كلفة على الشعب اللبناني .