تأثيرات استمرار الصراع يمكن أن تضر بفرص النمو الاقتصادي العالمي
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
اتساع رقعة الحرب والصراع في الشرق الأوسط يهدد فرص نمو الاقتصاد العالمي (أ ف ب)
أفادت الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين، مطلع الأسبوع الماضي، سوق السندات الأميركية، نتيجة لجوء المستثمرين بخاصة من آسيا إلى شراء سندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن مما أدى إلى وقف موجة البيع التي هوت بأسعار السندات وأدت إلى ارتفاع العائد عليها، إلا أن الأيام الأخيرة أظهرت مدى الاضطراب الذي سببته الحرب في سوق السندات لدول الجوار مثل الأردن ومصر ولبنان.
ارتفعت تكاليف الديون والاقتراض لمصر والأردن بشكل كبير، الأسبوع الماضي، مع تخوف المستثمرين من الاحتفاظ بسندات الدين للبلدين مع احتمال استمرار الحرب وربما توسعها.
وزادت علاوة أخطار الاستثمار في سندات الدين الدولارية لمصر والأردن، أي الفارق بين نسبة العائد عليها ونسبة العائد على سندات الخزانة الأميركية، بينما ظل هذا الفارق كما هو تقريباً من دون تغيير كبير في بقية أسواق السندات لدول المنطقة، بخاصة دول الخليج.
وزاد فارق علاوة أخطار الاستثمار منذ بدء إسرائيل الهجوم على غزة مع القلق من احتمال اتساع رقعة الحرب، وأدى ذلك أيضاً إلى توقف محادثات إعادة هيكلة ديون لبنان الذي تخلف عن سداد ديونه (أفلس تقنياً) في عام 2020.
وشهدت سندات دين لبنان السيادية عمليات بيع مكثفة مع التخوف من أن تطال الحرب لبنان أيضاً، ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن ثايس لو من شركة إدارة الأصول “ناينتي وان” قوله “كان الأمل الوحيد في نتائج إيجابية في شأن سندات الدين اللبنانية يعتمد على سيناريو إنجاز التطبيع السياسي المحلي والإقليمي… ويبدو أن ذلك الاحتمال يتدهور الآن”.
ديون مصر والأردن
أسواق سندات الدين الأكثر تضرراً من الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين هي في مصر والأردن، فمنذ بداية الأسبوع الماضي ارتفع العائد على سندات الدين السيادي الدولارية الأردنية المستحقة في عام 2030 من نسبة 8.5 في المئة إلى 9.45 في المئة وهو أعلى معدل له منذ أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، ومعروف أن نسبة العائد عكس سعر السند، فكلما ارتفع العائد هبط سعر سند الدين.
يقول مدير الدين السيادي للدول الصاعدة في شركة إدارة الأصول “أبردن” إدوين غويتيريس، “حتى بالمعايير الأردنية يعد هذا تطوراً هائلاً، فالأسواق تتحسب وتتوقع وتضيف علاوة أخطار نتيجة احتمال مواجهة الأردن ومصر أزمة تدفق لاجئين جديدة”، والاقتصاد الأردني يعتمد أيضاً على الدخل من السياحة، التي تشكل نسبة 10 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول المحللون في بنك “غولدمان ساكس” الاستثماري الأميركي، إن ذلك جعل الأردن “أكثر عرضة للأخطار” مع استمرار الصراع في الجوار، وإن خلصوا في مذكرة لهم إلى أنه “حتى الآن، لم يؤد ذلك إلى انهيار سندات الدين الدولارية الأردنية”.
أما الدين السيادي المصري، فتعرض لمزيد من الضغط، في الوقت الذي يواجه فيه من قبل ضغوطاً سلبية هائلة. ومنذ مطلع الأسبوع الماضي، هبط سعر سندات الدين الدولارية المستحقة في عام 2031 من 53 سنتاً للدولار إلى 51 سنتاً للدولار، وتلك مشكلة كبيرة لمصر التي تحتاج إلى إعادة تمويل قدر كبير من الديون السيادية في السنوات المقبلة. يقول إدوين غوتيريس، “ستضيف أزمة لاجئين جديدة إلى مشكلات مصر، على رغم أنها قد تستفيد من المساعدات والمنح الدولية إذا حدث ذلك”.
كانت مصر توصلت لاتفاق رابع قرض منذ عام 2016 مع صندوق النقد الدولي في العام الماضي، إلا أنها تواجه محادثات صعبة مع الصندوق في شأن القرض. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن حاجات مصر التمويلية لهذا العام 2023، تصل إلى “نسبة 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”.
على العكس من وضع أسواق سندات الدين لمصر والأردن، شهدت بقية أسواق الدين في المنطقة بخاصة في الخليج استقراراً نسبياً، فعلى رغم عمليات بيع في مطلع الأسبوع الماضي، عاد فارق علاوة الأخطار للثبات تقريباً، فنسبة الديون السيادية في دول الخليج إلى الناتج المحلي الإجمالي ليست كبيرة، علاوة على ما لديها من احتياطات نقد أجنبي كبيرة جداً. ويضيف غوتيريس أنه “كانت هناك عمليات بيع كبيرة في البداية، لكنها كلها تغيرت وعادت للاستقرار مع عدم توقع تأثير الصراع في أوضاع التمويل لدول الخليج”.
أضرار الاقتصاد العالمي
خيمت الحرب أيضاً على محادثات وزراء المالية ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المغرب هذا الأسبوع. وحذر الوزراء من أن الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين “تشكل تهديداً” للاقتصاد العالمي بخاصة أنه لم يتعاف بعد من أزمة وباء كورونا والحرب في أوكرانيا.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في مقابلة مع “فايننشال تايمز”، إن احتمالات اشتعال الصراع تهدد النمو الاقتصادي العالمي”. أضاف “إذا واجهنا أي تصعيد أو اتساع رقعة الصراع في المنطقة فإننا سنواجه تبعات وآثاراً كبيرة”.
وأشار إلى احتمالات الضغوط على الاقتصاد العالمي من ارتفاع أسعار الطاقة وعودة معدلات التضخم للارتفاع إلى جانب تدهور الثقة في الأعمال بشكل عام.
أما رئيسة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا فحذرت من “سحابة جديدة في أفق الاقتصاد العالمي الغائم أصلاً”، فيما وصف المدير التنفيذي في بنك “جيه بي مورغان” الاستثماري الأميركي الوضع بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي بأنه “أخطر ما شهده العالم على مدى عقد من الزمن”، بينما حذر صندوق النقد الدولي من أن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10 في المئة كفيل بشطب ما نسبته 0.4 في المية من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.