حرب غزة و”اتفاقات أبراهام”… أي تأثير في واقع معقد؟

1

“حتى الدول العربية التي تستقبل مسؤولين إسرائيليين من دون أن تكون من بين موقعي الاتفاقات، فإنها تبرر الأمر بأنه مطلوب أميركياً لتسهيل التفاوض على الهدن الإنسانية وتبادل الرهائن”

رفيق خوري كاتب مقالات رأي  

السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور متوسطاً نظيريه المصري أسامة عبد الخالق والإماراتية لانا زكي نسيبة، في 22 ديسمبر الحالي (رويترز)

الكلمة ليست واحدة للميدان في حرب غزة. وليس أكبر مما يدور على المتاريس سوى ما يدار في الكواليس من سياسات وسيناريوهات عن متغيرات راديكالية عميقة. ليس فقط في فلسطين وداخل الكيان الصهيوني بل أيضاً في المنطقة وحتى العالم. متغيرات جيوسياسية واقتصادية واستراتيجية، سواء بقيت الحرب محصورة في القطاع، و”المساندة” محدودة عبر “وحدة الساحات” أو توسعت لتصبح حرباً شاملة. وأحد الأسئلة المطروحة هو: إلى أي حد تأثرت “اتفاقات أبراهام” بالتوحش الإسرائيلي في الهدم وقتل 10 آلاف من النساء والأطفال وإصابة نحو 50 ألف مدني حتى داخل المستشفيات؟ الظاهر أن ما افترضه البعض لم يحدث. فكل شيء صاخب على جبهة المواقف في الخطاب الداعي إلى وقف النار فوراً. وكل شيء هادئ على جبهة المواقف في التعامل مع الاتفاقات. لا شيء تبدل في الواقع. لا تعليق لأي اتفاق. لا تهديد بالخروج من أي اتفاق. الشراكات التجارية مستمرة. والزيارات مستمرة. ومنطق البلدان الشريكة في الاتفاقات هو أن هذه تعطيها أوراقاً في العلاقات مع إسرائيل تخدم قضية فلسطين وتحد من ضم المستوطنات والأراضي في الضفة الغربية. والمنطق نفسه يرى أن السياسات السابقة في إطار الإصرار على تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية قبل أي علاقة مع إسرائيل لم تسهم في تقديم التسوية خطوة واحدة. وانكشاف الغرور والغباء لدى ساسة إسرائيل والتقصير العسكري في حماية السكان في غلاف غزة والجليل الأعلى، لم يؤثر على الاتفاقات التي قيل إن اللجوء إليها تحت مظلة أميركية كان رداً على توسع النفوذ الإيراني ورهاناً على دور أمني واستخباري إسرائيلي يساعد تلك البلدان، فضلاً عن الإفادة من النفوذ الإسرائيلي في أميركا وأوروبا ومن التكنولوجيا والمشاريع الاقتصادية والتجارية المشتركة. حتى الدول العربية التي تستقبل مسؤولين إسرائيليين من دون أن تكون من بين موقعي الاتفاقات، فإنها تبرر الأمر بأنه مطلوب أميركياً لتسهيل التفاوض على الهدن الإنسانية وتبادل الرهائن.

اقرأ المزيد


تركيا لديها من زمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. والرئيس رجب طيب أردوغان استقبل قبل أشهر رئيس إسرائيل، وانتقد عملية “طوفان الأقصى” في الأيام الأولى، لكنه عاد إلى رفع الصوت إلى أعلى سقف ضد التوحش الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن العلاقات بقيت مستمرة. ويسجل الصحافي التركي متين جيهان وصول 355 سفينة من تركيا إلى موانئ إسرائيل خلال حرب غزة، وعلى متنها نفط من أذربيجان وحديد ووقود وفولاذ وإسمنت وأغذية. وبعض هذه البواخر تابعة لشركات يملكها إما رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم وإما أقرباء نتنياهو المقربون منه. حتى سلطة النقد الفلسطينية، فإنها كشفت مدى الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ ذكرت أن 160 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل والمستوطنات يجنون 2.5 مليار دولار سنوياً، وأن 18 ألف عامل من غزة كان مسموحاً لهم بالعمل في إسرائيل يجنون 90 مليون شيكل شهرياً. وهذا ما خسره الجميع بعد إغلاق إسرائيل الباب في حرب غزة، والبحث عن عمالة هندية بديلة. وفي أي حلحلة بعد الحرب ستكون معاودة العمالة الفلسطينية في إسرائيل من المطالب الملحة.
لا أحد يجهل أن البلدان الشريكة في “اتفاقات أبراهام” عاجزة مثل الدول التي لديها معاهدات سلام مع إسرائيل، عما لم تقدر عليه روسيا والصين و150 دولة في الأمم المتحدة وقفت وراء قرار من الجمعية العمومية يطلب وقف النار فوراً، لأن الفيتو الأميركي يعطل أي قرار في مجلس الأمن. ولا شيء يوحي أن المتغيرات الراديكالية السائدة في أحاديث الكواليس كما في الإعلام ومراكز الدراسات مرشحة لأن تصبح في مجملها حقيقة في الواقع.

التعليقات معطلة.