حرب غزة والعواقب العالمية

1

بقلم جيفري كمب|..

الأزمة التي تتكشف فصولها تباعاً في غزة لها عواقب عالمية واسعة، بدأ الآن الاعتراف بها ومناقشتها. فأولاً، تبيّن أن الاعتقاد السائد بأن المشكلة الفلسطينية هي قضية ثانوية يمكن وضعها جانباً، بينما تتم معالجة التحديات الإقليمية الأكثر أهميةً هو اعتقادٌ خاطئ. فقبل هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حركة «حماس» على إسرائيل، كان الاعتقاد السائد هو أن الطرفين توصلا إلى تفاهم يقضي بتحسين العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك تصاريح العمل اليومية لمواطني غزة من أجل العمل في إسرائيل، وفي مقابل ذلك ستمتنع «حماس» عن ارتكاب العنف ضد إسرائيل. كما كان هناك اعتقاد بأنه إذا كانت الدول العربية ما زالت تدعم إنشاء دولة فلسطينية، فإن المسؤولية أصبحت تقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم من أجل حل خلافاتهم والتعامل مع إسرائيل والاعتماد بشكل أقل على الدعم المالي والسياسي المفتوح من أصدقائهم.

هذه الروايات لم تعد ذات صلة بالواقع الآن، ذلك أن حركة «حماس» مصرة على مواجهة عنيفة مع إسرائيل التي ستستخدم القوة العسكرية لتدمير الحركة. ولا يمكن لأي حكومة عربية تجنب انخراط أكثر مباشرةً في الجهود الرامية إلى حل الأزمة.

القوى الخارجية الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، باتت تواجه الآن احتمال أن تجد نفسَها جميعاً منخرطة في النزاع بشكل مباشر إذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي يمنع غزواً إسرائيلياً واسع النطاق لقطاع غزة ودعماً إيرانيا محتملا لـ«حزب الله» لمهاجمة إسرائيل. وتحسباً لمثل هذا التصعيد، قامت الولايات المتحدة بنشر حاملتي طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط بهدف إيصال رسالة إلى إيران مفادها أنه إذا أعطت إشارةَ «الضوء الأخضر» من أجل شن هجوم صاروخي كبير ضد إسرائيل، فإن القوات الأميركية قد تتدخل بضربات جوية وصاروخية ضد كل من «حزب الله» وإيران، وربما سوريا أيضاً. والحال أن من شأن مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران أن تعرِّض أمنَ إمدادات النفط القادمة من الخليج للخطر.

وعلاوة على ذلك، يمكن لمواجهة مباشرة بين القوات الأميركية والروسية في سوريا أن تغيِّر ديناميات الحرب في أوكرانيا وقد تدفع روسيا إلى التهديد مرة أخرى باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية، لا سيما أن أوكرانيا باتت تستخدم الآن صواريخ أميركية متقدمة بعيدة المدى «أتاكمز» ضد مدارج الطيران الروسية ومستودعات الإمدادات البعيدة عن الخطوط الأمامية الحالية.

كما أن الصين، التي حاولت أن تظل محايدةً نسبياً بشأن أوكرانيا، قد تجد نفسها الآن تحت الضغط لتقديم مزيد من الدعم العسكري المباشر لروسيا. لكن السيناريو الأسوأ هو أنه إذا انخرطت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوكرانيا بشكل متزايد، فإنه لا يمكن استبعاد اجتياح صيني لتايوان. وغني عن البيان أن هذا الأمر من شأنه أن يعجِّل بحدوث أزمة اقتصادية ذات أبعاد عالمية، ثم يؤدي بعد ذلك إلى ركود عالمي على الأرجح.

لن يكون أي بلد أو منطقة في مأمن من مثل هذه الفوضى التي ستأتي في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة انتخابات رئاسية في عام 2024، وتواجه فيه الصين انكماشاً اقتصادياً حاداً في أعقاب إغلاقاتها خلال جائحة كوفيد- 19. وفضلاً عن ذلك، فإن اقتصادات أوروبا وأميركا اللاتينية أيضاً تعاني من صعوبات مالية واقتصادية، والنتيجةُ مزيدٌ من الانقسام بين السكان. وهذه المشاكل ستفاقمها الاضطراباتُ المتزايدة الناجمة عن الكوارث المناخية، وخاصةً إذا كانت إحدى عواقب ذلك تضاعف جهود الأشخاص المحرومين واليائسين التواقين للهجرة إلى البلدان الغنية التي لا ترغب في السماح لهم بالدخول إلى أراضيها.

وبالنسبة للولايات المتحدة، ستعني الأحداثُ الحالية ضرورة أن يكون الرئيس بايدن قادراً على تحمل الضغوط الكبيرة لإدارة الأزمات اليومية ومشاعر الاستياء المتزايدة في البلاد بسبب التضخم والجريمة والهجرة غير الشرعية والتشرد. ولا شك في أن الكيفية التي سيتعامل بها بايدن مع ملف غزة وإسرائيل ستصبح الآن مهمةً أهميةَ تصميمه على الاستمرار في دعم أوكرانيا بمزيد من المساعدات والإبقاء على الحلفاء في «الناتو» ملتزمين بمواجهة روسيا. لكن ذلك لن يكون سهلاً بالنسبة لرجل يعتقد الكثيرون أنه كبير في السن لدرجة لم يعد معها مناسباً لهذا المنصب. والأكيد أن الأسابيع القليلة القادمة ستقدِّم الدليلَ على ما إن كان قادراً على إدارة حملة إعادة انتخابه.

التعليقات معطلة.