مقالات

حروب الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط

سركوت كمال علي

حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشركات النفطية الأجنبية من مغبة “تخطي الحدود” في البحر المتوسط، بعد اعتراض سفن حربية تركية سفينة تابعة لشركة “ايني” الإيطالية كانت تستكشف حقول الغاز قبالة سواحل قبرص.

وقال أردوغان في خطاب عبر التلفزيون “لا تظنوا أننا تجاهلنا المحاولات الانتهازية للتنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه قبرص وسواحل بحر ايجه”. وتابع أردوغان “نحن نحذر من يتخطون الحدود من الحسابات الخاطئة في قبرص وبحر ايجه”.

وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز في شهر يونيو أن بلاده ستقوم بحفر أول بئر للغاز الطبيعي في البحر المتوسط خلال العام الجاري.

وقال دونماز إنه تم في الفترة الأخيرة تسريع أنشطة البحث والحفر الأولية للبحث عن النفط والغاز الطبيعي في منطقتي البحرين الأسود والمتوسط منذ أبريل (نيسان) 2017.

وأشار الوزير التركي في تصريحات له إلى أن سفينة البحث «الفاتح» ستبدأ مهمتها في البحر المتوسط خلال العام الجاري، مشيراً إلى أن أنشطة البحث والحفر الأولية قامت بها أول سفينة تركية هي «بارباروس خير الدين باشا» عبر عمليات في مياه البحر المتوسط، في حين أن سفينة ثانية هي «إم تي إيه أوروتش رئيس» باتت جاهزة الآن للقيام بأعمال التنقيب.

وأضاف دونماز: «سنحفر أول بئر لنا في البحر المتوسط هذا العام باستخدام أول سفينة حفر في الأعماق تركية الصنع هي الفاتح التي ترسو في موقعها بولاية أنطاليا منذ شهر يونيو (حزيران) الجاري استعدادا لبدء عمليات التنقيب».

وأوضح دونماز أن التنقيب عن النفط والغاز يأتي كجزء من خطة تركيا لتصبح واحدة من أكبر 10 اقتصادات على مستوى العالم، قائلا إن «استثمارات الطاقة حاسمة ونحن ندرس كل خيار لتنويع مصادر الطاقة لدينا ولإجراء استثمارات في هذا المجال». وأضاف أن تركيا ستواصل الحفاظ على دور رئيسي في مشاريع الطاقة وستواصل المساهمة في ازدهار واستقرار المنطقة. مشددا على أن استدامة الاستثمارات هدف أساسي لتركيا.

ينحصر الصراع على الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الاوسط بين كل من تركيا واسرائيل وقبرص ولبنان ومصر وفلسطين.

وتملك تركيا 10% من إحتياطي الغاز الطبيعي يقتصر فقط على الاستهلاك المحلي.

ومنذ بداية سنة 2011 اصبحت اسرائيل تملك أضخم احتياطي من الغاز للتحول بذلك إلي أكبر مصدر لهذه الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. إذ انطلقت العملية باكتشاف مجموعة من الحقول للغاز في البحر الأبيض المتوسط .

و من بين هذه الآبار الضخمة حقل الغاز نيفاثان و هو الأكبر وتقدر احتياطات الغاز الطبيعي فيه بما يصل إلى 450 مليار متر مكعب على الأقل, و حقل شمشون و حقل تمار الذي يبلغ احتياطيه حوالي 200 مليار متر مكعب وحقل ديفروت .

هذه الثروة الهائلة من إحتياطي الغاز حولَ إسرائيل إلي أكبر دولة منتجة للغاز في الشرق الأوسط.

وتحلم اسرائيل بتصدير الغاز الطبيعي الى اوروبا الا ان هناك عدد من العوائق التي تقف في طريق تحقيق هذا الحلم ومنها:

1- المسافة إذ تشير الدراسات الحديثة في هذا المجال أن كلفة مد خط أنبوب غاز بحري مباشر إلي اليونان يتكلف قرابة 7 مليارات دولار و مدة زمنية تصل 10 سنوات نظرا لبعد المسافة التي تصل إلي أكثر من 2200 كلم.

2- بخصوص تصدير الغاز عبر جزيرة قبرص أو لبنان أو سورية يعتبر مستحيلا نظرا لرفض هذا الملف الذي لا يمثل شريك إقتصادي لدولة إسرائيل نظرا لتجريم التطبيع بين هذه الدول أو منافسة لهذا المشروع التصديري للغاز خاصة مع دولة قبرص.

واما بالنسبة للغاز الايراني ووفقا لوزارة النفط الإيرانية، فإن ‘احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في إيران تبلغ نحو 1،046 تريليون قدم مكعب (29.6 تريليون متر مكعب) أو حوالي 15.8٪ من إجمالي الاحتياطيات في العالم. منها 33٪ من الغاز المصاحب و 67٪ في حقول الغاز غير المصاحب. ولديها ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا.وبما أن ما يقرب من 5،850 قدم مكعب من الغاز يعادل مساويا لمحتوى الطاقة من برميل واحد (0.16 متر مكعب) من النفط، فإن احتياطيات إيران من الغاز تمثل ما يقرب من 216 مليار برميل (3.43 × 1010 متر مكعب) من النفط.

و وقعت إيران اتفاقية مع العراق وسوريا لإنشاء ما أسمته “خط الأنابيب الإسلامي”، يتم من خلاله نقل الغاز الإيراني من ميناء عسلوية المطل على حقل غاز الشمال، وهو أكبر حقل غاز في العالم، تتقاسمه إيران مع دولة قطر في مياه الخليج العربي، مروراً بالأراضي العراقية ووصولاً إلى سوريا، إذ أكدت إيران بأن “الأنبوب الإسلامي” سيؤمن كمية 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً للدول الأوروبية، وهو ما لا يملك خط “نابوكو” تأمينه لأوروبا، بحسب تصريحات لرئيس الشركة الوطنية للغاز الإيراني، وهو ما يتوافق مع الرؤية الروسية لاستهداف خطوط الغاز القطرية، التي تسعى لتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال الربط بأنبوب “نابوكو”.

وبحسب الاتفاقية التي وقعتها إيران مع العراق وسوريا في عام 2011 في مدينة بوشهر الإيرانية، كان من المفترض أن يبدأ ضخ الغاز بين عامي 2014 و 2016 بمعدل 110 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، عبر الأنبوب “الإسلامي”، أي بواقع 40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، حيث سيحصل كل من العراق وسوريا بموجب الاتفاقية على احتياجاتهما من الغاز البالغة نحو 30.25 مليون متر مكعب يومياً عبر الخط الإيراني، فيما سيحصل لبنان على احتياجاته من الغاز والبالغة 7.5 ملايين متر مكعب يومياً عبر الخط الإيراني، كما سيتم تزويد الأردن بالغاز الإيراني عبر خط الغاز العربي.

الا أن العقوبات الاقتصادية وصعوبة التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول برنامج إيران النووي آنذاك، حال دون الشروع بتعاقد الدول الاوروبية مع إيران لتوريد الغاز إلى أوروبا.

أما مشروع قطر فقد دفن نظرا للأزمة القطرية مع الدول الخليجية و قطع جميع العلاقات الإقتصادية و الدبلوماسية معها مما عطل مشروع تصدير الغاز نحو الإتحاد الأوروبي.

و حولت قطر إهتمامها بتصدير الغاز الطبيعي عبر مد أنابيب غاز نحو دول جنوب شرق آسيا و التي تعتبر سوق إقتصادي واعد و صاعد يحقق لدولة قطر أرباح مالية ضخمة و صفقة تجارية محترمة.

اما بالنسبة لتركيا ومصر واليونان وقبرص ولبنان فانها تعول على اكتشافات الغاز الهائلة التي ظهرت خلال السنوات الماضية، ومنها من ترشحه التوقعات العلمية للانضمام إلى نادي كبار منتجي الطاقة في العالم، ومن ثم تغيير المعادلة العالمية على الصعيد الاقتصادي.

وقدَّرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية فى 2010 مخزون الغاز فى حوض شرق البحر المتوسط بحوالى 345 تريليون قدم. وهى كميات يمكن أن تتجاوز الاحتياطات الأمريكية المؤكدة، ويحتوى هذا الحوض على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية وسوائل الغازات.

وتشمل هذه الاحتياطيات 223 تريليون قدم مكعب من الغاز فى حوض دلتا النيل، إضافة إلى 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة، و1.7 مليار برميل من النفط. كما يحتوى الحوض الكبير على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز فى منطقة حوض المشرق، قبالة شواطئ قبرص ولبنان وسوريا، وعلى أكثر من 36 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى فى مناطق بالقرب من إسرائيل، أما اليونان فتقدر المسوح الجيولوجية أن احتياطيات الغاز فى بحر إيجه والبحر الأيونى وجنوب جزيرة كريت بـ 123.6 تريليون قدم مكعب.

ومن اهم حقول الغاز الطبيعي المصرية حقل «ظهر» الذى يعد أكبر حقل غاز تم اكتشافه فى مصر وفى المياه العميقة بمنطقة البحر المتوسط، حيث يقع فى امتياز «شروق» بالمياه الاقتصادية المصرية، وتقدر احتياطياته بنحو ثلاثين تريليون قدم مكعب غاز، ما يمثل 46% من إجمالى احتياطيات الغاز الموجودة بمصر، والتى قدرتها قاعدة بيانات شركة «بريتش بتروليم» بنحو خمس وستين تريليون قدم مكعب.

وبدأ الإنتاج التجريبى من مرحلة الإنتاج المبكر من حقل ظهر منتصف شهر ديسمبر 2017 بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو 350 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى، قبل أن يصل إنتاج هذا الحقل إلى نحو 1.6 مليار قدم مكعب فى الأسبوع الأخير من شهر يوليو الماضي، ومن المقرر ان يرتفع الإنتاج إلى 2.9 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى منتصف 2019.

و حقول شمال الإسكندرية وتبلغ احتياطيات المشروع نحو 5 تريليونات قدم مكعب من الغاز، وبدأ الإنتاج منه فى شهر مايو 2017 بطاقة إنتاجية تزيد عن 600 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز من المرحلة الاولى من المشروع فى حقلى تورس وليبرا ، ومن المقرر ان يتم ربط المرحلة الثانية من المشروع الممثلة فى حقلى جيزة وفيوم فى شهر اكتوبر المقبل بطاقة 500 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز ، ويتم ربط حقل ريفين فى الربع الأول من 2019 بطاقة 300 مليون قدم مكعب يوميا.

و حقل آتول ويضم حقل أتول ثلاثة آبار بحرية بالمياه العميقة لإنتاج 350 مليون قدم مكعب غاز و10 آلاف برميل متكثفات يومياً.

وحقل نورس و يبلغ إجمالى احتياطي الحقل إلى نحو 2 تريليون قدم مكعب من الغاز.

حقول غاز قبرص:

حقل أفروديت الذى يقع على مسافة 180 كلم من الشاطئ الجنوبى الغربى لقبرص، ويضم احتياطيات تقدر بنحو 6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعى.

حقلا غاز غزة:

تضم مياه غزة الإقليمية حقلان رئيسيان للغاز، هما حقل غزة البحرى و الحقل الحدودى, وتقدِّر شركة الغاز البريطانية بحسب موقعها على شبكة الإنترنت حجم الاحتياطيات فى الحقلين بتريليون قدم مكعب، فى حين تعتقد شركة اتحاد المقاولين بأن الاحتياطى يبلغ 1.4 تريليون قدم مكعب.

الغاز الطبيعى فى لبنان:

بحسب مسح زلزالى قد أجرى فى المياه اللبنانية، أشار الى وجود مستودعات هائلة من الغاز الطبيعى تحت قاع البحر (حوالى 25 تريليون قدم مكعب ) وحدد لبنان اسماء الشركات الدولية التى تستطيع طرح عطاءاتها للحصول على تراخيص الغاز والنفط.

ربما وفي المستقبل القريب ستشهد المنطقة حروبا من اجل السيطرة على حقول الغاز المكتشفة في منطقة البحر الابيض المتوسط.