سعاد فهد المعجل
في الثالث من مايو من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حدّدته اليونسكو بهدف تذكير الحكومات بضرورة احترام حرية الصحافة، وقد أفردت الصحافة الكويتية لقاءات مع صحافيين وإعلاميين، أكدوا أن صحافة بلا حرية تشبه جسداً بلا روح، وأن الحرية المسؤولة تُعتَبَر شراكة أصيلة في بناء الدولة، داعين الى صون هذه الحرية، وترسيخ قيمها في إطار المهنية والالتزام.
تواجه مثل هذه الحرية الصحافية تحديات عديدة، من رقابة على المحتوى، الى استهداف مُتعمّد للصحافيين في ساحات الحروب، وغير ذلك الكثير، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى التحذير من أن حرية الصحافة العالمية في وضع صعب، وذلك لأول مرة في تاريخ مؤشر الرصد. كل ذلك يستدعي تساؤلاً مشروعاً هنا، حول ما إذا كانت حرية الصحافة هي مجرد رفاهية، ومُكمّلة للمظهر العام للدولة، أم أنها معيار فعلي تُقاس به أحوال الدول سياسياً وحقوقياً واجتماعياً.
تُعتَبَر الصحافة سُلطة رابعة تحل بعد السُّلطات الثلاث، ولكي تُمارَس هذه السُّلطة، لا بد أن تكون حرة، وغالباً ما يقف العالم عند حدود مثل هذه الحرية، التي تُعتَبَر منطقة رمادية شاسعة في أبعادها، ومن دون أن تكون لها حدود واضحة، لكن يبقى الرأي الأكثر ترجيحاً، أن حرية الصحافة، وبغض النظر عن حدودها، تُعتَبَر المعيار الأهم في أي مجتمع، فالصحافة الحرة هي أسلوب فاعل في بناء الوعي، وهي الطريق السليم، الذي يتبعه المواطن في أي دولة لإيصال رأيه، وهي هنا بمنزلة الرافد لبناء مجتمع ديموقراطي حر وقائم على المشاركة والمسؤولية والمساهمة.
رصدت منظمات حقوقية مختلفة انتهاكات كبيرة لحرية الصحافة في العالم، بحيث لم يستثنِ رصدها هذا أي دولة فيه، بل وبدأت من الولايات المتحدة، حيث اتهمت الرئيس ترامب بأنه قد اتخذ خطوات عدة لتقييد الحق في حرية التعبير وتقويض حرية الصحافة، ومدى حجم الانتقائية في اختيار وسائل الإعلام، التي يُسمَح لها بتغطية أخبار البيت الأبيض، بالإضافة الى محاولات شيطنة بعض المراسلين وتشويه صورتهم. والوضع في «العالم الأول»، لما يتعلق بحرية الصحافة، لا يختلف كثيراً عنه في «العالم الثالث»، فحركة طالبان في أفغانستان لا تتوقف عن قمع حرية التعبير، من خلال حظر عمل وسائل الإعلام، وسن قوانين قمعية تحاصر حرية الرأي والتعبير.
في ظل ما يشهده العالم اليوم من تعدّد في وسائل وطرق الحصول على المعلومة والخبر، وأيضاً ما ينتظره هذا العالم من تصاعد باتجاه تسخير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في صياغة وصناعة الخبر والرأي، في ظل واقع كهذا تتضاءل المسافة فيه بين الحقيقة والزيف، ويُسيطر المتلونون والانتهازيون على ساحة الحدَث، قد لا يكون الحل إلا بخلق منطقة وسطى يُمارَس فيها الحوار الصادق، والنقاش المنطقي، وذلك من خلال تحصين منابر الحوار والرأي، وعلى رأسها الصحافة، صحافة حرة وآمنة بلا خوف أو قمع، صحافة تخلق مجتمعاً ناضجاً، وليس هشّاً وتابعاً، مجتمعاً قادراً على وضع أولى لبنات البناء الديموقراطي السليم. فالعلاقة بين حرية الصحافة والديموقراطية هي دائماً علاقة متشابكة، ومن دون صحافة حرة لا يمكن بناء مجتمع ديموقراطي حر، بل ولا إنسان حر. ولقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الانسان صريحاً في هذا الصدد، حيث نص على «أن لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ويتضمّن هذا الحق حرية الفرد في تكوين آراء من دون تدخّل أحد والبحث عن واستقبال ونقل المعلومات والأفكار من خلال كل وسائل الاتصال، بصرف النظر عن حدود الدول». ذلك ما ورد في وثيقة حقوق الإنسان، لكن وثيقة الواقع تقول عكس ذلك تماماً، فالصحافيون والمراسلون يُقتَلون ويُطارَدون كل يوم من قبل جيش الاحتلال الصهيوني، وأمام سمع ونظر كل الذين وقعوا على وثيقة ضمان الحرية للصحافة، لكن وبالرغم من ذلك، تبقى حرية الصحافة حاجة وليست رفاهية، حاجة تضمن للعالم مساراً ثابتاً للحقيقة، ومن دون أن تُزيّفها مسارات أخرى مُغرِضة.