أثار تأسيس حزب جديد في ألمانيا باسم “التحالف الديموقراطي من أجل التنوع والتنمية” (دافا) أخيراً الكثير من اللغط السياسي والاجتماعي في البلاد، بعدما أشيع بأن المؤسسين مقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فما هي تطلعات هذا الحزب وتوجهات الأعضاء؟ وما هي الاعتراضات على وجود حزب إسلامي تركي يريد خوض غمار الحياة السياسية في ألمانيا والانتخابات البرلمانية الأوروبية؟
برنامج “دافا”
يبدو أن برنامج “دافا” لا يعتمد على الحوار والتعليم فحسب، بل ويركز أيضاً وبصراحة على التشدد في التبعات القانونية للعديد من المخالفات التي تكفل حماية الحريات الفردية والمعتقد، وفي مقدمتها إدراج العداء تجاه الأديان وخاصة الإسلاموفوبيا، والحماية ضد التمييز، إضافة إلى أهمية تعزيز التكامل والمشاركة. ومن منطلق أنه كما أن الشرق والغرب مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، فإنه من الضروري أن يكون هناك إدراك بأن الإسلام جزء لا يتجزأ من ألمانيا؛ لا سيما أن الهدف دائماً هو الحفاظ على صورة أوروبا التي يتمتع فيها الناس بحقوق متساوية، بغض النظر عن لون بشرتهم أو عرقهم أو دينهم، والعيش متحررين من التمييز والخشية من الإهانة.
ولم يتم ذكر أو تخصيص فصل يتعلق بمعاداة السامية، إنما تم أبراز رفض العنصرية وغيرها من أشكال الاستعباد والتمييز. وأبرز البرنامج أهمية التسامح والتعبير، واحترام الهياكل الأسرية التقليدية التي تشكل أساس المجتمع والمساعدة في تعزيز دورها، وبالطبع مع الالتزام بالسياسات التعليمية والاجتماعية والصحية التي تخدم التطلعات المتوخاة.
من جهة ثانية، يعمل البرنامج على التأثير في وسائل الإعلام وأنشطة الإدارات العامة من أجل إبراز صورة واقعية وأكثر إيجابية عن الإسلام والمسلمين.
وفي ما يخص السياسة الخارجية، حض مؤسسو “دافا” على الالتزامات العامة تجاه السلام وحقوق الإنسان والتعددية والمناخ والتنمية المستدامة والعلاقات التجارية العادلة، مع الإشارة إلى أنه لم يتم التطرق إلى النظرة المستقبلية لحلف الناتو أو الجيش الألماني، والحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا، والعلاقات مع الولايات المتحدة والصين، فيما تمت الإضاءة على ضرورة الالتزام بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبأن يكون للشعب الفلسطيني دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.
4 شخصيات بارزة
برزت أسماء أربع شخصيات ستتولى قيادة “دافا” في المرحلة المقبلة، في طليعتهم المحامي فاتح زينغال، الذي شغل منصب متحدث باسم اتحاد الديموقراطيين الأوروبيين الذي تأسس عام 2004 في كولن. ويعتبر زينغال من الناشطين الذين كانوا ولسنوات يروجون للرئيس أردوغان ولغيره من المسؤولين بين الناخبين خلال الحملات الانتخابية في ألمانيا وأوروبا. كذلك، يبرز اسم يونجا كايا أوغلو، الرئيسة السابقة لشباب الاتحاد الديموقراطي الأوروبي في ولاية بادن فورتمبرغ، وتفيد المهندسة الشابة بأنها تريد تمثيل “دافا” والمشاركة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. فيما الآخران وهما مصطفى يولداس وعلي إحسان أونلو، فكلاهما مسؤولان معروفان بين أبناء الجالية التركية المسلمة في شمال ألمانيا، وكان الأول منخرطاً لسنوات مع منظمة للإسلام السياسي تدعى “ميلي غوروش”، أما الثاني فهو ناشط مع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية “ديتيب”، علماً أن المنظمتين تحتفظان بعلاقات وثيقة مع أنقرة.
اعتراضات وتحذيرات من تدخل أردوغان
وعلى وقع الحديث عن أن الحزب الاسلامي التركي الجديد ذراع ممدوة لأردوغان، وإبداء وزارة الداخلية الألمانية قلقها من “دافا”، وتحذيرها بأنه لن يتم التسامح مع أي محاولات للتأثير على الانتخابات في ألمانيا من الخارج، رفض يولداس في حديث مع شبكة “دبليو دي أر”، بشدة أي اتهامات بالخضوع أو السيطرة من قبل حزب الرئيس أردوغان العدالة والتنمية على حزبهم، قبل أن يضيف: “لكن من المؤكد أن هناك الكثير من الأشخاص في “دافا” يتعاطفون مع حزب الرئيس التركي”.
في المقابل، بينت “إيه أر دي” الاخبارية عن أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون التركية بجامعة بون حسين جيجيك، أن أردوغان مهتم بالتأثير على الناخبين المسلمين في ألمانيا. فيما حذر سياسيون من ممارسة أردوغان لنفوذه في ألمانيا، وبأنه لا بد من “عين ساهرة” من الجهات الأمنية لمراقبة أنشطة “دافا” وعلاقاته بالحكومة التركية وبأقصى قدر من الدقة.
أما رئيس مؤتمر وزراء الداخلية وزير داخلية ولاية براندنبورغ ميشائيل شتوبغن، فقال في تصريحات مع مجموعة “فونكه” الإعلامية: “لا أرى سبباً وراء سعي فرع من حزب العدالة والتنمية لتحقيق هدف العمل من أجل مصلحة جمهورية ألمانيا الفدرالية. ومثل هذا الحزب لن يعمل إلا لصالح الحزب التركي الأم، وهو لا يتناسب مع المشهد الحزبي الألماني”.
أما رئيس اللجنة البرلمانية التركية الألمانية في البوندستاغ، النائب عن حزب الخضر، ماكس لوكس، فاعتبر أن أردوغان يحاول تكوين “لوبي مباشر” في البرلمان الأوروبي مع الرؤساء السابقين للمنظمات الإسلامية، ومؤكداً مع مجموعة فونكه أن “دافا” ليتس سوى نسخة تركية من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.
وكان وزير الزراعة الألماني جيم أوزديمير، المنتمي إلى حزب الخضر، قد كتب على منصة “إكس” أن “تأسيس فرع لحزب أردوغان ليخوض الانتخابات هنا، هو آخر ما نحتاج إليه”.
ووسط الخوف من التوتر الاجتماعي أيضاً، قال المدير التنفيذي لكتلة الاتحاد المسيحي تورستن فراي، إن “تأسيس حزب إسلامي تركي يظهر – إلى حد ما – أن التعديلات الأخيرة في قانون الجنسية كان خطأً فادحاً، والتسهيلات ستتسبب بتأثيرات أجنبية على السياسة الألمانية”.
ومن الناحية النظرية، وبعد تعديلات قانون الجنسية التي أقرت الشهر الماضي في البرلمان الاتحادي والتي بات بموجبها يحق للمقيمين من الأتراك أيضاً الحصول على الجنسية الألمانية من دون الاستغناء عن جنسيتهم الأم، سيكون هناك إمكانية تصويت محتملة لحوالي 5 ملايين تركي مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية العامة الألمانية. ومن المعلوم أن وصول أي حزب إلى البونستاغ يتطلب أن ينال 5 بالمئة من أصوات الناخبين.
تجدر الإشارة إلى أنه من أجل القبول في الانتخابات الأوروبية، هناك حاجة إلى 4000 توقيع مؤيد، والفرق بين “دافا” والأحزاب الأخرى التي أسسها مهاجرون، أن أفراد المجتمع التركي مترابطون ومنظمون كل جيداً للغاية في ألمانيا، لكن يبقى السؤال ما إذا كان هذا سيكون كافياً لجذب الجمهور العريض من الناخبين في موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقررة يوم 9 حزيران (يونيو) المقبل.