حساسية الألقاب

1

 
هالة القحطاني
 
لا يمكن أن تكون الألقاب العلمية المعيار الحقيقي للإنسان، فمهما وصل الإنسان بعلمه وانجازاته لمستويات متقدمة، إلا أنه لا يستطيع أن يكسب احترام وتقدير الآخرين وأخلاقه وطريقة تعامله في «الحضيض»، فكم من طبيب أو استشاري له صيتٍ ذائع في تخصص معين تمنيت بعد زيارته ألا تعود إليه مرة ثانية، وخرجت من عيادته منزعجاً تبحث عن طبيب بديل بعد أن ساءتك طريقة تعامله أو كمية الغرور والتعالي التي أبداها أمام مرضك.
 
 
وهذه الظاهرة تعاني في مجتمعنا العربي من حساسية واهتمام شديد، تتكرر في عدد من الدول المجاورة، إذ تتشابه تلك الشريحة في ضعف الشخصية والأفكار السطحية، فتجد عشق الحصول على لقب يدفع بعضهم للحصول على الدكتوراه باستماته في تخصص لا يقدم للبشرية أي نفع، فكيف يرهق الشخص نفسه في دراسات عليا على سبيل المثال ولا تناديه بالدكتور أو سعادة المهندس أو المستشار من دون تفخيم، والبعض الآخر يتكبد أعباءً مالية لشرائها لكي يجبرك على مناداته باللقب، ليستمتع بوقع الكلمة في نفسه، ليغذي كبرياءه وغروره على الغش، حتى لو كان عليه أن يتعايش طيلة حياته مع الخوف من خشية أن ينكشف أمره وأمر شهادته المزورة.
 
مثلما حدث قبل أشهر عدة حين تمت الإطاحة بعدد كبير من حملة الدكتوراه الوهمية في حكومة بعض الدول، لينتبه العالم أنها أصبحت ظاهرة مرضية تفشت في المجتمع بصمت تام، وحين انجلت سمعها الجميع لتكشف عن حقيقة قومٍ يعتقدون أن «اللقب» ما يخلق لهم قيمة في مجتمعاتهم وهو ما يمنحهم مناصبٍ مرموقة.
 
والمؤسف انجراف بعض الأسر حين أصبحوا يتباهون ويتفاخرون بين بعض بألقاب أبنائهم، ويصرون بمناداتهم بألقاب تعزز الغرور داخلهم، فما ان يتخرج الأبناء حتى يؤمنوا بأنهم أصبحوا أعلى درجة عن بقية أفراد الأسرة، حتى وإن لم تكن لهم إنجازات تذكر.
 
الأمر الصادم حقاً، رد الفعل المتشابه لعشاق الألقاب، فهم يثيرون الشفقة والاستغراب في آن واحد، فإن تجرأت ونطقت اسم الفرد منهم قبل أن تتبعه باللقب المحبب إلى قلبه ينظر اليك باستياء واستنكار، كأنك قذفته بحجر، فيُذكرك بتعالٍ، حتى لو كنت صديقه أو زميله، بأن اسمه أصبح الدكتور فلان! وكأنه التزام اجتماعي أو واجب فرضه القانون وعلى الجميع احترامه. المحزن ما وصل إليه بعضهم من تعسف حين منحتهم ألقابهم مناصب وسلطة أذوا فيها أشخاصاً بحرمانهم من حقوقهم، لأنهم لم يلتزموا بمناداتهم بالألقاب التي تغذي نفسيتهم المضطربة!
 
قد نتفهم السبب وراء الألقاب التي تسبق أسماء قادة الدول من ملوك ورؤساء، والتي تحكمها بروتوكولات رسمية متعارف عليها بين الدول، ولكن الذي لا نتفهمه حين يصر مسؤول في وزارة مثلاً أن تتم مناداته بـ «معالي الأستاذ» أو «الدكتور» وهو ليس كذلك، وإن خرج خطاب من دائرته لا يحمل «سعادة الدكتور» أو «سعادة المهندس» فهو يوم مظلم للمسؤول عن خطابات مكتبه، فكيف ينسى أن يخبر العالم بأن «سعادة السيد الأستاذ الدكتور الموقر» ليس كأي شخص بلقب واحد، بل لديه من الألقاب ما يستحق أن يجعله متميزاً، وكل لقب يسبق اسمه لا يمكن التنازل عنه أو غفران نسيانه في المخاطبات الرسمية.

التعليقات معطلة.