عمر الردّاد
تتصاعد تهديدات غربية ،بالقيام بضربات عسكرية ضد مواقع حساسة تتبع للنظام السوري ،وتحديدا من قبل أمريكا وفرنسا ، على خلفية اتهامات باستخدام أسلحة كيماوية في المعارك التي يخوضها الجيش السوري، مع قوى المعارضة ،في مناطق حول دمشق وادلب وحلب ، في الوقت الذي ينفي فيه النظام السوري هذه الاتهامات ، ويؤكد أن “المسلحين” هم من يستخدم الأسلحة الكيماوية،بدعم من بعض دول التحالف التي تعمل على تقويض النظام السوري ، حيث وجهت الحكومة السورية في أوقات سابقة اتهامات صريحة ومباشرة لتركيا بتزويد فصائل متعاونة معها بتلك الأسلحة .
ومن الواضح أن الاتهامات الموجهة للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد” شعبه” تشكل احد ابرز الملفات التي يمكن أن يواجهها النظام السوري ، بوصفها تقع تحت عنوان جرائم الحرب ، خاصة بعد انضمام سوريا لاتفاقية منع استخدام الأسلحة الكيماوية ،إلى جانب ملفات أخرى بوصفها جرائم ضد الإنسانية ،والتي يبدو أن الأدلة حولها متوفرة لدى خصوم النظام السوري، أكثر من الأدلة المتوفرة على جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية، حيث تشير غالبية المعطيات إلى اتهامات استخدام النظام للاسلحة الكيماوية أنها مازالت في إطار الشكوك القوية.
قصة الأسلحة الكيماوية في سوريا والتهم الموجهة للنظام السوري باستخدامها مرت بثلاث مراحل زمانيا،بدات بالهجوم الكيماوي على الغوطة قرب دمشق في (21-8-2013) والثانية الهجوم على خانشيخون في (4-4-2017)، والثالثة الهجوم مجددا على الغوطة بتاريخ (22-1-2018)،وخلال هذه المراحل تم تنفيذ العديد من الهجمات الكيماوية المتفرقة ، وتاليا سياقات المعالجات والتعامل مع المراحل الثلاث ، من قبل النظام السوري والقوى الدولية ،خاصة الولايات المتحدة الأمريكية:
المرحلة الأولى :الهجوم على الغوطة عام 2013:
بدا طرح قضية الأسلحة الكيماوية ،منذ أواخر عام 2012،مع سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على مساحات واسعة من سوريا، وظهور تقديرات بإمكانية انهيار النظام ، وسيطرة المسلحين على مخزون الأسلحة الكيماوية لدى الجيش السوري ،خاصة وان تفاصيل تلك الأسلحة كانت معروفة لدى أمريكا وروسيا وإسرائيل، وفي غالبيتها أسلحة سوفيتية ، إضافة لمصانع تطويرها وتصنيعها،ويتردد على نطاق واسع أن الجيش السوري استخدم تلك الأسلحة حوالي 26 مرة ، في خمس محافظات ،قبل استخدامها في الغوطة ( كانت حصيلة ضحايا الاستهداف الكيماوي للغوطة 1466 ضحية، وأثبتت تحقيقات دولية أن الغاز المستخدم هو غاز السارين)، في إطار خطة لإجبار التحالف الدولي على التفاوض معه ،وهو ما تم فعلا حيث تم التوصل لصيغة “بقاء النظام مقابل تسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية”، وتم تسليم الأسلحة الكيماوية لعدة لجان تم تشكيلها من قبل مجلس الأمن ، وظهرت السلطات السورية بمظهر المتنازل عن أسلحته، وانضمت لاتفاقية منع انتشار الأسلحة الكيماوية ،فيما تعرضت الإدارة الأمريكية ،حينها لانتقادات حادة، وان الرئيس الأمريكي(اوباما) تراجع عن تهديداته للنظام السوري، باعتبار استخدامه للسلاح الكيماوي خطا احمر لا يمكن السكوت عنه.
المرحلة الثانية : الهجوم الكيماوي على خان شيخون عام 2017:
فوجئ المتابعون لسير العمليات في سوريا ، بعد حوالي أربع سنوات من استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة،إعادة استخدام هذه الأسلحة في هجوم على خان شيخون ، في الرابع من حزيران عام2017، وكانت حصيلة الهجوم حوالي 90 ضحية، وأكدت تحقيقات دولية وتقارير للأمم المتحدة ، ان هناك شبهة في استخدام الغاز نفسه الذي تم استخدامه في هجوم الغوطة (السارين)،وصدرت إدانات دولية ،حملت النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيماوي ، فيما شنت الولايات هجمات صاروخية على قاعدة “الشعيرات الجوية” التي انطلقت منها الطائرات المحملة بالأسلحة الكيماوية في السابع من نيسان 2017،في ظل إنكار من النظام السوري بمسؤوليته عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
الهجوم الكيماوي على خان شيخون طرح العديد من التساؤلات والشكوك حول حقيقة التزام السلطات السورية بتسليم مخزونها من الأسلحة الكيماوية ، وفقا للاتفاق الذي تم بعد هجوم الغوطة عام 2013،وذهبت تقديرات مختصين أن النظام اخفي بعض مخزونه الكيماوي ،متحايلا على اللجان الدولية ،حيث تم نقل بعض هذه المخزونات الى قواعد عسكرية تتبع للجيش السوري ، وأخرى تتبع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ،وان عمليات إنتاج تلك الأسلحة تواصلت، عبر مصانع سرية ، وبطرق بدائية ومواد أولية رديئة، هذا بالإضافة لشكوك تشير إلى دور روسي في إخفاء تلك الأسلحة ، خاصة وان غالبية الصواريخ التي تحمل تلك الأسلحة كانت سوفيتية “قديمة” أو إيرانية أو من الصواريخ المعدلة التي تنتجها مصانع حزب الله .
المرحلة الثالثة :الهجوم الكيماوي على الغوطةعام 2018:
يتصاعد اليوم الحديث عن إعادة استخدام تلك الأسلحة في هجوم شنه النظام على الغوطة بتاريخ (22-1-2018)باستخدام قذائف مدفعية محملة بغاز الكلور.مكررا النفي باستخدام الأسلحة الكيماوية ، ومتهما فصائل المعارضة باستخدامها لتلك الأسلحة.
ومن الواضح أن المجتمع الدولي غير قادر على وضع حد لاستخدام السلطات السورية هذا السلاح ،رغم قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص،وأبرزها القرار 2118 عام 2013 والذي تنص الفقرة 21 منه على التدخل بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ،في حال أعيد استخدام الأسلحة الكيماوية ،والقرار 2235 عام 2015، والذي أنشئت بموجبه آلية تحقيق، لتحديد الجهة التي تستخدم الأسلحة الكيماوية ،إلا أن الفيتو الروسي المتكرر افشل تمديد عمل اللجنة الدولية ، بحجة أن تقاريرها لا تستند إلى حقائق، ومنحازة ضد النظام السوري.
وتنتشر اليوم مخاوف في أوساط محللين غربيين من محاذير حول قضية الأسلحة الكيماوية، وتداعياتها المحتملة ، أبرزها:
أولا: إمكانية نقل جزء من الأسلحة الكيماوية السورية إلى حزب الله، وإمكانية استخدامها لاحقا في حروبه المحتملة، بعد الخبرة القتالية التي اكتسبها خلال مشاركته بالحرب السورية ،بما فيها الحرب ضد إسرائيل، إضافة لضعف الاحتياطات الأمنية في عمليات نقل وتخزين تلك الأسلحة، خاصة وإنها تستخدم وسائل نقل وتخزين بدائية.
ثانيا: ضرورة شمول إيران، وخاصة قوات الحرس الثوري في سوريا ودورها في تصنيع واستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ،بأية تحقيقات مستقبلية ،مذكرين بالشكوك التي تدور حول مسؤولية إيران عن الهجوم الكيماوي على الأكراد في حلبجة عام 1988، وان الغازات المستخدمة في الهجوم لم يكن يمتلكها العراق، رغم امتلاكه لأنواع غازات أخرى ، قام باستخدامها.
ثالثا:ضعف احتمالات خروج التحقيقات بأية نتائج، في ظل قدرة النظامين السوري والإيراني على إخفاء الأدلة،والتحايل على المحققين ،على غرار مخرجات التحقيق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني (رفيق الحريري) والغموض الذي يلف مقتل الشهود، وهو ما يدعو لمتابعة الاغتيالات التي تتم في سوريا لكبار ضباط الجيش السوري، والجهات التي تقف وراءها ،خاصة ممن يعملون اوعملوا في الأسلحة الكيماوية السورية (اللواء احمد محمد حسينو نائب مدير كلية الحرب الكيماوية، تم الإعلان عن اغتياله في ظروف غامضة في شباط 2018).
وفي الخلاصة فان الاتهامات الموجهة للنظام السوري ،باستخدام الأسلحة الكيماوية ، ستبقى خاضعة لاعتبارات سياسية من قبل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي ،وستبقى هناك خشية من ان يتم استخدامها في إطار كونها ورقة لمقايضة النظام السوري ،في إطار معارك”عض الأصابع″ التي تشكل العنوان الأبرز في تعامل الفاعلين الدوليين والإقليميين مع القضية السورية.