أ م.د سامي محمود ابراهيم
في سمفونية عشق الحياة تنبض قلوبنا بعاطفة مبهرة من عدم الى وجود مقلق، ومن شك الى يقين متعب، حتى يتجلى الحق كرحمة ازلية ويوقف سرد ذاتنا الابدي.
ولهذا فوعينا بالحياة يتشكل من لحظات متراكمة مشحونة بالمعنى ومن فواصل لا تحصى تلامسنا خلالها ظلال هذه اللحظات.
فبين بستان العقل ورياض القلوب معاني ودلالات مذهلة وادوار دقيقة لو عكسناها لن ترضينا المشاهدة….. حشد من المعاني مترجم بكفن وكلنا رواحل في ميدان الزمن ومداخلنا شتى.
اللهم انت الاول والاخر ، والظاهر والبطن، ونحن منحة من منح عطائك الكثير ومداد قلمك الذي لا ينفد، اجعلنا يا رب ومضة نور وخير في مشهد الحياة القصير . فما اضيق الدنيا اذا اقفرت عن المحبة والخير والتراحم.. عندها ستحرقنا شمس المصائب ويسرف الطواغيت في الهدم، ولم تعد اقدارهم ذلك، ليتميز ما تصنع ايادي الخيرين.
ولحياتنا قصة مثيرة مع ذلك الزمن اللعوب الذي يحتال عليها ويخرجها من دائرة المعنى الى ساحة المتعة والتجاهل في حذف عقارب الساعة واصفارها…. وللغروب في ذاكرتنا حكاية لا يفهم ابجديتها الفراق واللجوء الى زمن العودة.
وفي سياق البحث عن معنى العيش الحقيقي تنساب الاماني في امواج بحار العالم واعماقها السحيقة…. في اللاجدوى والفراغ ، لكن في موسيقى مبهرة وحالمة ينصت لها العالم.
وفي المقابل تمر بنا لحظات صادقة، كثيفة المعنى، بالغة التوتر، تختزل فيها التفاصيل وتتوهج فيها البصيرة وتتالق الروح حتى كان العالم سكن القلوب فلا نقوى على القول الا بالاشارة.
والايام تسبقنا عبر الزمن ، نعانيها بالم ونعاينها بامل.
حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بذات قرار
بينا يرى الانسان فيها مخبرا حتى يرى خبرا من الاخبار
طبعت على كدر وانت تريدها صفوا من الاكدار والاقدار
ومكلف الايام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري
ابيات معبرة تظهر حقيقة الظلال على جدران كهف الحياة في تلاحم وتناغم عقلاني وجداني مخيق…. تصوير بليغ مبهر لا مجال للنسبية فيه ولا استثناء ولا الرجاء بحياة طويلة او خالدة، وليس لنا في هذه الدنيا وايامها الفوارس السريعة سوى اختزان الذكريات التي لا يمحوها غبار العاديات من الايام والاعوام…. نعيش بضع لحظات وبعض اوقات في غمرة انشغالنا باللحظة الحاضرة المتتابعة واحداثها المتسارعة ونائباتها الخيول. وربما عبر عن هذا الحال قول المعري:
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادي
الى ان ندرك ان كل شيء اذا اقترب من نهايته زاد من سرعته، وان حياتنا في هذه الدنيا تقترب من نهايتعا سريعا بحكم القدر، لا يبقى شيء بل وكان شيئا لم يكن، وكان الدنيا باسرها زمن ساعة تعارف الناس فيها، عاشوها ثم انقضت……
خفف الوطء ما اظن اديم الارض الا من هذه الاجساد
ثم تنطق الاضداد بما فيها الحياة والموت…
فرب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحكا من تزاحم الاضداد
استشعار مرير ، فنحن في النهاية من سيموت ولا يبقى الا الاثر….. مسبقا نحن نعيش حياة الموت… نعيش لنموت.. نمارس العيش الافتراضي وفي الواقع لسنا احياء بل اموات في هيئة نيام… نلهو نلعب نعبث نضحك نبكي، تداهما الرغبة الملحة في توافه الاشياء، نعيش استهلاك الزمن يوما او بعض يوم، ولا نلبث الا قليلا. فالحياة ارخص من بعوضة ، واقل شانا ووزنا من حناحها. حتى تفاصيل عيشنا غائبة الا انها مستمرة في المظهر لاتزال ترفدنا بذاك الزمان وتلك الامكنة الحالمة، وحديث شوقنا لها شبيه بنبرة الحب في اصوات الصوفية. وما سؤال القدر الا سؤال تأملي مثير يفتح حوارات وقناعات تقلب ما الفناه، وتدعونا للنظر في لون الحقيقة تلك التي يغيب فيها كل لون، حتى البياض لون التصالح مع الزمن، ذلك البحر الذي نقطعه ونحن نحمل أعباء حريتنا على اكتافنا … نلجم جواد أمواجه الجموحة لنكتب سطورنا على صفحاته في كتاب الزمن، كتاب من؟ ومتى القلب في خفقانه اطمان؟؟؟؟!!!!!!!
كيف يمكن لبياض قلب الحقيقة أن تقدم نفسها للعالم دون إخضاع لعملية تجميل قسرية في صالات تشريح النص واستءصال المعنى بأيدي أمهر لاعبي التفكيك العالمي المعاصر بهدف تقويض نماذج الحضور التي تستند إليها الحضارة الإسلامية بما يسمح بظهور بدائل حضارية وازاحة النص الديني للانخراط في عوالم المعاني المتخيلة والهوامش المربكة في عقلية الإنسان الغربي. .. يصطادون سمكنا على حافة ما كان نهرا وجف!!
وها انا قد نقلت مخططا حقيقيا: وناقل الكفر ليس بكافر..
هكذا يبدوا العالم وكانه صراع بين نجدين بين ضدين. فمتى يأتي اليوم الذي تتوحد فيه وجوهنا شطر أنفسنا… فلا صفاء والقلب اسود لا يرى غير الرفض والنكران… لون رفض الحياة وفي المقابل التميمة ضد الزمن. ضد من!؟
ومتى القلب مع العقل اتزن؟!
أوصلنا منطق الفوضى الامريكية إلى مرحلة المابعديات التي عكست جليا أسوأ المراحل التي مرت بها البشرية وهي تجوب الفضاء الخارجي عبر الكبسولة الكونية العجيبة وهي تبحث عن جزيرة الأمل الرافضة لشتى أشكال وصور الفوضى والعدم!.. فيا لعزاءنا هذا من عزاء!!!
يتحدثون عن الصدفة وما يهلكهم الا الدهر ونحن نتحدث عن الواحد الذي وحد الممكنات، فنقول:
الممكنات المتقابلات
وجودنا والعدم والصفات
أزمنة أمكنة جهات
كذا المقادير روي الثقات….