حكومة الإطار بين المطرقة الأمريكية وسندان طهران: ضياع الحل والأمان

5

 

 

منذ تشكيلها، وُلدت حكومة الإطار التنسيقي في العراق محاصرةً بين قوتين متصارعتين على النفوذ: الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وطهران من جهة أخرى. كلا الطرفين ينظر إلى العراق كجزء أساسي من معادلاته الاستراتيجية، مما جعل حكومة الإطار تعيش حالة من الضغط المستمر، تفتقد فيها للقدرة على اتخاذ قرارات وطنية حاسمة بعيداً عن حسابات الخارج.

بين الأجندة الإيرانية والتحذيرات الأمريكية

طهران، التي تعتبر الإطار التنسيقي الامتداد السياسي الأهم لنفوذها في العراق، تضغط بشكل مباشر وغير مباشر لترسيخ وجود الميليشيات الموالية لها، وضمان استمرار النفوذ الاقتصادي والأمني عبر مفاصل الدولة العراقية. في المقابل، تُظهر واشنطن موقفاً مزدوجاً: فهي من جهة لا تريد انهيار الدولة العراقية، ومن جهة أخرى تراقب بقلق تمدد النفوذ الإيراني الذي ترى فيه تهديداً مباشراً لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

وفي ظل هذا الصراع، تبدو حكومة الإطار عاجزة عن فرض رؤية وطنية مستقلة، الأمر الذي أضاع فرصاً كثيرة لبناء دولة المؤسسات، وأدخل البلاد في دوامة من الفوضى واللا استقرار.

ضياع الحل… وضياع الأمان

غياب التوازن في السياسات الداخلية والخارجية لحكومة الإطار أدى إلى ضياع أي أفق لحل جذري للأزمات المتفاقمة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. فالمواطن العراقي، الذي كان يأمل في أن تخرج حكومات ما بعد 2021 من عباءة المحاصصة والتبعية، وجد نفسه رهينةً لمعادلة إقليمية دولية لا تمت لمطالبه اليومية بصلة.

وبينما يترنح الأمن في عدة محافظات، وتزداد حالة الانقسام المجتمعي، تقف الحكومة موقف المتفرج، عاجزة عن كبح جماح الفصائل المسلحة، أو وضع حد لتدخلات الدول الإقليمية فيه . ان حكومة الاطار هي نتاج لتوافق إيراني–أمريكي ظرفي، حصل في ظل إدارة ديمقراطية سمحت بمرونة غير مسبوقة تجاه النفوذ الإيراني، وتحديدًا في العراق. هذه المرونة، التي قد تكون بدافع الانكفاء أو إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية، فتحت المجال لطهران لتكريس نفوذها ليس فقط داخل العراق بل من خلاله إلى عمق الجغرافيا الإقليمية.

لكن فوز الجمهوريين بقيادة ترامب، وإشارته إلى “تصحيح” هذا الوضع، يعيد تشكيل المشهد من جديد. ترامب، الذي لا يخفي عداءه للمشروع الإيراني ولا لنتائج الاتفاق النووي، يرى أن ما حصل في العراق بعد 2003 كان خطأً مزدوجًا: أولًا بإسقاط النظام دون خطة واقعية لبناء دولة، وثانيًا بترك إيران تملأ هذا الفراغ. من هنا، فإن أي سياسة “تصحيحية” لإدارته لا بد أن تبدأ من قلب بغداد، لأنها المفتاح الاستراتيجي لنفوذ طهران في المشرق العربي.

وهذا بالفعل ما يضع طهران في موقف محرج، فهي تواجه الآن إدارة أمريكية لا تؤمن بمنطق “التوازن” السابق، بل تسعى لتقويض قواعد المعادلة لعام 1979، ولتي رسّخها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

وفي بغداد، تبدو الحكومة الحالية محاصرة أكثر من أي وقت مضى. فهي تُدرك أن أي انقلاب في المزاج الأمريكي تجاهها، قد يسحب الغطاء الدولي عنها ويتركها مكشوفة أمام شعب ناقم، واقتصاد هش، وفصائل مسلحة تابعة لا يمكن ضبطها إن تصدّعت العلاقة مع طهران.

 العراق أمام مرحلة مفصلية حقيقية .

قد تعيد تعريف النفوذ، والشرعية، وتحالفات القوى داخل العراق والمنطقة.

هل هناك مخرج؟

المخرج، وإن بدا ضبابياً، لا يزال ممكناً في حال توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية، وانطلقت عملية إصلاح جذرية تستند إلى قاعدة وطنية شعبية عريضة. فالمعادلة الإقليمية والدولية قد لا تتغير قريباً، ولكن ما يمكن تغييره هو شكل التفاعل العراقي معها من التبعية إلى الندية، ومن الاستجابة السلبية إلى المبادرة الفعالة.

إن إعادة الاعتبار لفكرة الدولة، وتحقيق توافق داخلي حقيقي بعيداً عن الاصطفافات الخارجية، هو مفتاح الحل. أما الاستمرار في المراوحة بين المطرقة الأمريكية وسندان طهران فلن ينتج سوى مزيد من التدهور وضياع الأمل.

التعليقات معطلة.