حلب في قلب المخطط الدولي: كيف يُرسم مستقبل سوريا؟

9

 

 

تعيش مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، موجة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، ما يعكس تعقيدات المشهد السوري المستمر منذ أكثر من عقد. ورغم تباين الروايات حول طبيعة التطورات وأهدافها، إلا أن قراءة أعمق للمشهد تُظهر أن هذه الأحداث ليست عشوائية أو وليدة اللحظة، بل هي جزء من تفاهمات دولية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل سوريا .

 

حلب: مفتاح الجغرافيا والسياسة

تتمتع حلب بموقع استراتيجي جعلها مركزًا للصراع السوري منذ اندلاعه عام 2011. وبالنظر إلى مكانتها الاقتصادية والتاريخية، ظلت المدينة محط أنظار القوى المحلية والإقليمية والدولية، حيث تمثل السيطرة عليها ورقة ضغط حاسمة في أي مفاوضات تتعلق بمستقبل سوريا .

 

الأحداث الأخيرة في المدينة، سواء التصعيد العسكري في محيطها أو التحركات الدبلوماسية المتعلقة بها، تشير إلى أنها باتت جزءًا من عملية رسم خطوط جديدة للنفوذ الإقليمي والدولي داخل سوريا.

 

اتفاق دولي تحت الطاولة؟

المتابع لتطورات الملف السوري يلاحظ أن هناك توافقًا ضمنيًا بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، حول ضرورة إنهاء حالة الفوضى وإعادة الاستقرار إلى سوريا. لكن هذا التوافق لا يعني انتهاء الصراع بقدر ما يعني تغييره إلى صراع سياسي واقتصادي بدلاً من العسكري .

 

روسيا، الحليف الأبرز لنظام الأسد، تسعى لتأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية، خاصة في الساحل السوري. بينما تركيا تركز على تأمين حدودها الجنوبية ومنع إقامة كيان كردي مستقل. أما الولايات المتحدة، فترى في سوريا جزءًا من صراعها الأوسع مع روسيا وإيران، وتسعى لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة .

 

حلب كرمز للتفاهمات الدولية

يبدو أن حلب أصبحت رمزًا لهذه التفاهمات الدولية. فالتصعيد الذي تشهده المدينة قد يكون رسالة ضغط من أحد الأطراف لتحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات. على سبيل المثال، التصعيد التركي قد يهدف إلى دفع روسيا والولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات فيما يخص المنطقة الآمنة شمال سوريا .

 

مستقبل سوريا بين الأيدي الدولية

لا يمكن فهم الأحداث في حلب بمعزل عن المسار الأوسع للأزمة السورية. فتقارير عديدة تشير إلى أن هناك مبادرات دولية تسعى إلى إعادة هيكلة النظام السوري، بما يضمن تقاسم النفوذ بين الأطراف المتصارعة.

 

في هذا السياق، قد تصبح حلب نقطة اختبار لهذه التفاهمات. فمن خلال السيطرة على المدينة أو تحقيق مكاسب فيها، تسعى كل قوة إلى تعزيز موقفها في أي مفاوضات قادمة، سواء بشأن إعادة الإعمار أو صياغة دستور جديد للبلاد .

 

الشعب السوري بين التفاهمات والمعاناة

وسط كل هذه التفاهمات الدولية، يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر. فالمعارك المستمرة والأزمات الإنسانية المتفاقمة في حلب وغيرها تعكس أن الأولوية ليست لحل الأزمة بل لتأمين مصالح الدول الكبرى .

 

ومع ذلك، فإن استمرار هذه المعاناة قد يدفع السوريين إلى المطالبة بدور أكبر في تحديد مستقبل بلادهم، ما قد يشكل تحديًا لهذه التفاهمات الدولية .

 

الأحداث الحالية في حلب تؤكد أن الصراع في سوريا لم يعد محصورًا في الداخل، بل أصبح مسرحًا لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي تسعى فيه القوى الكبرى إلى تحديد مستقبل سوريا وفقًا لمصالحها، يبقى السؤال الأهم: هل سيبقى الشعب السوري مجرد متفرج في هذا المشهد، أم سيجد طريقه للمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل بلاده؟

التعليقات معطلة.