“لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً، فحضورها في صينية القهوة للعيد احتفال في حد ذاته، ونقصانها غير طبيعي ولافت”، هكذا تحدثت الشيف أحلام المتخصصة في صنع الحلويات التقليدية والعصرية، عن “الدزيريات”، عروس العيد، وخصوصاً عند أبناء العاصمة. اسمها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالجزائر، فكلمة “دزيريات” مشتقة من “دزاير” في اللهجة المحلية، والمقصود بها “الجزائر العاصمة”.
مبتكرها رجلبمجرد حلول العشر الأواخر من شهر رمضان، تنهمك النساء الجزائريات في تحضير أشهى الحلويات التقليدية والعصرية، غير أن أهم ما تعده سيدات العاصمة هو حلوى “الدزيريات”، واسم هذا الكعك باللغة العربية هو “الجزائريات”.
تحضر عادة في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، لكننها تصبح عادة وتقليد مجتمع بأكمله خلال عيد الفطر بالنسبة لعائلات العاصمة. وثمة ثلاثة أصناف من هذه الحلوى من حيث الشكل، غير أنها تشترك في المذاق، وهي الأكثر حضوراً وشهرة وانتشاراً. وتُنسب معشوقة العاصميين إلى مبتكرها، وهو رجل يلقب “علي أوكولو”، وكان هذا تقريباً قبل 84 عاماً، وفق تقديرات باحثين اجتماعيين.
وقد حجزت هذه الحلوى لنفسها مكاناً ضمن الأمثال والحكم الشعبية المكرسة في المجتمع الجزائري، فقيل عنها “الدزيرية (أو “القنديلة” أو “السليلة”) أنا تخدمني (تصنعني) سوى الحرة ابنة الحرة”، وقيل أيضاً: “زمان (في الماضي) كنت دايرة لحزام (أضع حزاماً) وراسها مرفوع كي الشجرة (رأسها مرفوع كالشجرة)، تقول أنا بنت القصبة (مدينة الجزائر في العهد العثماني التركي وهي مقر السلطان وتم تشييدها على الجبل المطل على البحر الأبيض المتوسط)، بنت دزاير (بنت الجزائر) بنت القاع (الأرض) والباع (الماشية)” في إشارة منها إلى ما يملكه والدها من أراض ومواش في العاصمة.
حلوى للجميعتقول لنا الشيف أحلام وهي في العقد الثالث من عمرها، وأصلها من بلدية “قهوة شرقي”، إن هذه الحلوى في متناول الجميع، يأكلها الفقراء والأغنياء على حد سواء، لكن الاختلاف بين الطبقتين هو أن ميسوري الحال يحضرونها بـ”الفول السوداني” أو “الكاكاو” لارتفاع سعر اللوز، كما أن هذه الحلوى مطلوبة بكثرة من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية.
ومن المسؤولين السابقين الذين عشقوا هذه الحلوى الزعيم الثوري الراحل محمد خيضر (أحد قادة الثورة الجزائرية وسياسي جزائري) والرئيس الجزائري السابق هواري بومدين ورئيس مجلس الشيوخ الجزائري الأسبق محمد الشريف مساعدية والرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
تروي لنا أحلام بشغف عن هذا الطبق الذي توارثته عن والدتها قائلة: “لا يمكن تذوق طعمها الأصلي إلا إذا كانت مُعِدّتها من وسط الجزائر العاصمة، ويمكن القول إنها الحلوى الوحيدة التي لا تزال تحافظ على الأشكال والألوان والمكونات نفسها، فهي حلوى تراثية قاومت رياح العصرنة”.
ورغم أن هذه الحلوى ترتبط فقط بمدينة التاريخ العميق جزائر بني مزغنة عاصمة الجزائر، غير أن مكوناتها نقلت إلى مناطق أخرى غير العاصمة، وأصبح لها صناعها الخاصون في قسنطينة وجيجل وعنابة وحتى في المدن الصحراوية.
طريقة تحضيرهاأول خطوة هي تحضير العجينة المكونة من الفرينة (الطحين) والزبدة (مادة دهنية) وملعقة صغيرة من الفانيلا وماء الزهر كمعطر طبيعي لجمع الخليط، أما بالنسبة للحشو فيتم خلط 3 عبوات من اللوز المطحون وعبوة من السكر العادي وقشر الليمون الأصفر والأخضر وأربع ملاعق من ماء الزهر، ويضاف أخيراً البيض لكن حسب الحاجة.
في الخطوة الثانية يتم حل العجينة بآلة خاصة بالتوريق من 0 حتى رقم 5 ثم يتم تقطيعها بقوالب خاصة، ثم نقوم بحشو كل قطعة بحشوة كبيرة من اللوز تزن 40 حتى 45 غ، وفي الأخير تُزين قطعة الدزيريات باللوز أو الكرات الفضية، قبل أن توضع في الفرن لمدة 20 إلى 25 دقيقة على درجة حرارة 350 درجة مئوية، وبمجرد إخراجها من الفرن تُسقى كل حبة بملعقتين من الشراب أو القطر الدافئ المجهز سابقاً، ثمّ تترك الحبات حتى تشرب السائل جيداً، لتكون بعدها حلوى الدزيريات جاهزةً للتقديم، مع التاي الصحراوي أو القهوة أو أي شرابٍ بارد.
ومع مرور الوقت، أدخلت على هذه الحلوى بعض التعديلات، فثمة من يفضلها محشوة بالفستق أو البندق أو الفول السوداني، وأضيفت كذلك مواد للتزيين لم تكن مدرجة من قبل مثل الورود وفواكه متنوعة مصنوعة من عجينة اللوز وفراشات وسمسم صغير، بعدما كان تزيينها في السابق يقتصر على حبة اللوز فقط. وثمة من غيّر شكلها مثل “دزيريات بوحنة” التي تشتهر بها منطقة “تاكسنة” التي تبعد بحوالي 70 كلم عن “الزيامة منصورية” التابعة لمحافظة جيجل (مدينة ساحلية تقع في الشرق الجزائري).