التحدي عند العرب سيرتفع إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق انتصار استراتيجي في غزة في مرحلة معينة
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
مواقع للمدفعية الإسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة (رويترز)
بينما يبحث العالم عن حلول سريعة لايقاف حرب غزة العنيفة، تتبدل الأوضاع على الأرض، والظروف الاستراتيجية تتغير منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما كان ممكناً منذ شهرين، بات أصعب، وما كان صعباً ولكن ممكناً، بات مستحيلاً. فإقامة منطقة آمنة في جنوب غزة لإيواء المدنيين جميعاً بات صعباً، لأن اتفاقاً بين الدول الاقليمية والأجنبية لم يحصل. أما ما بات مستحيلاً بعد أكثر من 60 يوماً من القتال، فهو وقف القوات الإسرائيلية عن التقدم حتى الحدود المصرية. لذا فالبحث في هذه الرحلة يتركز على أمرين: آلية إدارة الأزمة خلال مرحلة الحرب، واستشراف مرحلة ما بعد “حماس”، إذا حصلت.
إدارة الحرب
عندما تأكد في العلن أن أية دولة عربية لن تشارك في أية عملية سلام داخل غزة ما دامت إسرائيل داخل القطاع، بات واضحاً أن خيار منطقة آمنة عربية لن يرى النور حتى انتهاء الحرب بشكل يسمح لدول الإقليم بألا تقع في فخ يدخلها إلى جيب جغرافي بطرق عسكرية لتغامر فيه. وكان الجو السياسي لدى التحالف العربي منذ الأيام الأولى للصراع أن تبقى دوله على حياد حتى لا تتلطخ أيديه بدماء فلسطينية، لا بل أن تنتقد حكوماته القصف الإسرائيلي، بما فيها تلك التي تربطها بإسرائيل اتفاقات سلام. بعض العرب ربما ظن أن “اتفاقات أبراهام” وأرباحها ستجبر الإسرائيليين على وقف القتال بطلب من دول الاعتدال العربي. هذا لم يحدث لأن الموضوع بات يتعلق ليس فقط بأمن إسرائيل بل بوجودها. وهذه الأخيرة ربما ظنت أن عرب الاتفاق الإبراهيمي واتفاقات السلام السابقة، سيشاركون الحكومة الإسرائيلية في إدارة حرب غزة، ولو بإقامة منطقة آمنة في الجنوب ظناً من تل أبيب أن حروب الإسلاميين على عرب التحالف العربي ستسهم في تحقيق ذلك. لكن هذا أيضاً لم يحصل. فالمعادلة العربية – الإسرائيلية لم تصل بعد إلى مستوى التحالف المشترك كالناتو. هناك تحالف بين أميركا والعرب من جهة، وبين واشنطن وإسرائيل من جهة أخرى، ولكن ليس هناك تحالف عسكري ممكن بين عرب وإسرائيل ضد عرب آخرين. ولعل التهديدات الإيرانية المستمرة والضغط الإخواني الداخلي، وهي عوامل ترجرج الداخل العربي، تمنع أي تنسيق علني مع إسرائيل، بخاصة إذا كان الملف يتمحور حول الفلسطينيين، لا سيما خلال مواجهة عسكرية يسقط فيها مدنيون. بينما الحرب التي شنها حافظ الأسد على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وبعدها على مخيمات اللاجئين في لبنان، قد هضمت إلى حد ما لدى العالم العربي. ففي الثقافة القومجية العربية خلال الحرب الباردة، إذا حارب عرب الفلسطينيين، تعتبر “مسألة عربية داخلية”، ولكن إذا كانت إسرائيل طرفاً فيها، فتتحول عاطفياً إلى معركة قومية عربية. لذا فالدول العربية، وحتى الأكثر تغرباً فيها، أم الأكثر “إبراهيمية”، غير قادرة على الانقلاب على دعم شعوبها، أو القطاعات القومية في شعوبها. الخلاصة هنا هي أنه لن يكون تعاون رسمي عربي مع إسرائيل طالما المعارك جارية، وما دامت القوات الإسرائيلية تتقدم. لكن السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه إذا لم تتوقف إسرائيل قبل بلوغ معبر رفح، وإذا سيطرت عسكرياً على كل القطاع، هو: هل ستستمر الدول العربية في مقاطعة الشراكة مع إسرائيل في إدارة مصير مليوني فلسطيني عربي، أم أنها ستستجيب لواجباتها القومية في مساعدة عرب غزة؟
بعد حماس
التحدي عند العرب سيرتفع إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق انتصار استراتيجي في غزة في مرحلة معينة، وهذا لا يعني بالضرورة وقفاً لأية عمليات مقاومة ضد قواتها، ولكن يعني سقوط المؤسسات الحكومية الحماسية بأيدي القوات الإسرائيلية. في ظل هكذا سيناريو سيلزم المجتمع الدولي، ومعه العالم العربي، ولو معنوياً، بالمشاركة في دعم إعادة الحياة المجتمعية إلى القطاع. وذلك يعني عملياً التعاون مع السلطات الإسرائيلية لإنهاض الوضع وحل المشكلات الناجمة عن الحرب، وهي لا تحصى. ومن أهم القررات، إذا تجسد هكذا سيناريو، (ولا يعرف أحد ما إذا سيحصل ذلك) هو البحث عن سلطة بديلة عن “حماس”، وهنا قد تنفجر أزمتان. الأولى أن “حماس” لن تقبل بأية سلطة بديلة عنها، وقد تشن عمليات من تحت الأرض، أو حملات بدعم إيراني، لإجهاض أي مؤسسة بديلة عنها. ولكن رفضاً آخر قد يأتي من الطرف الإسرائيلي الذي قد يرفض إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة من دون إصلاحات عميقة في المؤسسات الفلسطينية، أو حتى إعادة تركيبها من الأساس، نظراً إلى “صدمة السابع من أكتوبر”. وهنا ستجد الحكومات العربية، خصوصاً تلك الموقعة على “اتفاقات أبراهام”، نفسها في موقف ملزم بالدخول في بازار الشراكة مع إسرائيل، ليس في حربها لإلغاء “حماس” ولكن لحماية فلسطينيي غزة. وهنا، إذا تم هكذا سيناريو، كيف سيكون الدور العربي الأوروبي؟ ما مظلته وموازنته وما مشاريعه؟ والأهم كيف ستقبل إسرائيل بهذه الشراكة؟ وما سيكون دور التحالف الإبراهيمي؟ وكيف ستتعاطى الإدارة الأميركية مع مرحلة كهذه، وهل سيكون للإدارة الجديدة المحتملة مشروعاً آخر؟ وبعض المتشائمين قد يذكرنا بأن الملالي في طهران أساساً لن يبقبلوا بهكذا سيناريو. في الواقع الأسئلة أكثر من الأجوبة.