«حماس»… حقائق باردة لحدث ساخن

1

عبدالله بن بجاد العتيبي

عبدالله بن بجاد العتيبيكاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.

اندفاع «حركة حماس» في هجومها غير المسبوق على المستوطنات الإسرائيلية في «غلاف غزة» بعناصر مسلحة وطائرات مسيرة وصواريخ، سيقابله جنون إسرائيلي يتمّ التحضير له على نطاق واسعٍ وغير مسبوقٍ، ولكل فعلٍ ردة فعلٍ، وقد سلمت «حماس» إسرائيل بيدها السيف الذي تقتلها به.javascript:false

«حماس» ارتكبت فظائع وبشاعاتٍ في عمليتها، وارتكبت خطيئة أكبر عندما صوّرت كل ذلك في مقاطع كانت تبث على «الإنترنت» من قبل عناصرها المهاجمة، وبعيداً عن أي تفكير تآمري لتفسير ما حدث فإن الأهم أنه حدث وتم توثيقه وبثه، وغالب وسائل الإعلام العربية لم تعرض هذه المقاطع «الحمساوية» ولو مموّهة، وهذا خطأ، لأنه لو عرض لمكّن المشاهد والقارئ من فهم، لا تفهّم، ردة الفعل الإسرائيلية غير المسبوقة والدعم الغربي السريع والفاعل الذي حشدته بسرعة.

بعد مرور أسبوعٍ على هجمات حماس، ومع القصف الإسرائيلي المكثف على غزة وحجم الدمار الهائل والرعب الذي سيطر على السكان، فإن الحرب لم تبدأ بعد، فإسرائيل التي نجحت نجاحاً كبيراً في جعل «الهولوكوست» أسطورة راسخة في العقل الغربي وجعلت «معاداة السامية» سبة الدهر وتهمة العصر التي تحرق بها مخالفيها في الغرب، وجدت ضالتها فيما صنعته حماس بطريقة جعلت البعض يشكك في أنها مخترقة وتعمل ضد نفسها وضد فلسطين.

الخطاب الإسرائيلي الإعلامي والسياسي والثقافي كله يصب في إحياء «المظلومية» التاريخية في العقل والوجدان الغربي ونجح، ولذلك حرّكت أميركا حاملات طائراتها وبريطانيا تتعهد بالدعم وفرنسا تزايد على الغضب الإسرائيلي، وبعض الأصوات التي هتفت لما صنعته حماس قبل أيامٍ سكتت اليوم أمام الفشل السياسي الكبير الذي ارتكبته قبل أن تسكت أمام المآسي التي وقعت على رأس الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره في غزة.

قادة حماس من فنادقهم الفارهة في الخليج مستمرون في خطاب تحريض الشعوب العربية على حكّامها ودولها خدمة لأجنداتٍ خارجية هي التي دفعتها لارتكاب هذه الحماقة، ولكن سهام النقد الإسرائيلي والغربي عموماً بدأت توجّه صراحة لتلك الفنادق ومن يقف خلفها، وإيران راعية «حماس» تبرأت من أي علاقة بهذه العملية، و«حزب الله» اللبناني فضّل الصمت والانزواء لأنه يعلم جيداً ما يتم تحضيره للردّ، وقد دعا نتنياهو صراحة لفرض عقوباتٍ على أي دولة تسمح لحماس بالعمل من أراضيها.

خيارات الحرب والسلام مع إسرائيل لم تكن يوماً لعبة أو ترفاً، بل هي خيارات ثمنها سيادة الدول واستقرارها ودماء أبنائها ومستقبل أجيالها، وهي خيارات سياسية، والسياسة بلا عواطف، ولكن عواطف الشعوب يتم تجييشها لتوظيفها سياسيا من بعض الدول والمحاور في المنطقة، وفي خيارات الحرب والسلام هذه عجينة تختلط فيها الوطنية والقومية والدينية الأممية والعرقية، وقد أفضت بمجموعها لخيار السلام لا الحرب.

أرادت حماس من هذه العملية خدمة أجندة إقليمية معادية للدول العربية تسعى لضرب مشروعات «التطبيع» و«السلام»، وبالتالي تخوين الدول العربية وقياداتها، وتدعو للفوضى وتستحضر رموز الإرهاب، وكل من انجرّ خلف عملية حماس فهذه أجندته وإن سوّقها ونمقها سياسياً وثقافياً كما يشاء، فنهايات الأمور واضحة ومآلات الأفكار جلية، والعاطفة الإنسانية المستحقة لا ينبغي أن تكون جسراً لتمرير الأفكار الملغومة.

ضخامة الحشد الإسرائيلي المدعوم بقوة غربياً أعاد الحديث عن «التهجير القسري» وهو ما رفضته السعودية بشكل قاطعٍ، ومعها العديد من الدول العربية، وهي سياسة سعودية مستقرة، ففي 1947 طالب بعض العرب الفلسطينيين بالخروج من أرضهم حتى يتمكن العرب من ضرب إسرائيل وهو ما رفضه الملك عبد العزيز ومعه بعض العقلاء حينها لأنه ليس طلباً عملياً ولا واقعياً وسيفشل، وقد فشل حينها.

الدعم السعودي لفلسطين لم يتوقف يوماً، فمواقف عبد العزيز تاريخية مع روزفلت للدفاع عن فلسطين، وبعده الملك سعود، ثم الملك فيصل، وخالد، ثم جاء «مشروع فهد» وصولاً إلى «المبادرة العربية» التي صنعتها السعودية وحشدت لها الدعم العربي الكامل، وهي مستمرة في النهج نفسه اليوم، وتدافع عن فلسطين وغزة بدبلوماسية نشطة ومواقف سريعة ومتعاقبة.

في استعراض سريعٍ، فقد ظلّ العرب لعقدين من الزمان أسرى لخطابٍ قومي ناصري وبعثي انتهى بالهزيمة النكراء في 1967 التي سميت كذباً وزوراً «النسكة»، تلاها عقدان آخران من الحروب؛ في 1973 وانتصار السادات ومعاهدة «كامب ديفيد»، ثم اجتياح لبنان 1982 والهزائم والعصابات والعمليات والاغتيالات التي انتهت بداية التسعينات باتفاقيات السلام: «أوسلو 93» السلطة الفلسطينية، و«وادي عربة 94» الأردن، وسوريا تفاوضت واقتربت من التوقيع، ولكنها لم توقع لتفاصيل طويلة.

منذ 1993 إلى 2023؛ ثلاثة عقودٍ كاملة انتعشت فيها مشروعات ومحاور إقليمية معادية للعرب واحتلّ بعضها دولاً عربية واختطف قرارها، وانتعش فيها الإرهاب الدولي سنياً وشيعياً وتفشت التنظيمات والميليشيات، واختطفت حماس حكم غزة بالانقلاب والقوة، واختطف «حزب الله» الدولة اللبنانية، وتفشت الميليشيات في العراق وسوريا واليمن، وصعد «تنظيم القاعدة» و«تنظيم داعش» وفروعهما، ثم جاءت طامة «الربيع العربي» الأسود المدمر، وصار لا بد للحلول العملية أن تعلو وتؤثر.

المرتبكون والشعبويون يربكون أتباعهم، فالخلط المتعمد بين موقف السياسي صاحب القرار وموقف المحلل السياسي هو خلطٌ للأوراق ورفضٌ للتحليل السياسي الواقعي وممانعة للمنطق السليم والعقلانية، وهو اختباء مريحٌ من حسابات السياسة والوعي وتوازنات المحاور والأقطاب وخيارات الحرب والسلام، وهو في الوقت نفسه ترويج وتسويق للذات لدى الجماهير وركوب على موجة العواطف والمشاعر، وفرصة للبعض للتعبير عن قناعات مكبوتة وتحالفات مخفية.

أخيراً، ففي خطاب قادة حماس الموجه للشعوب العربية تحريض صريحٌ على الفوضى والإرهاب ورفض السلام ورفض سياسات الدول وقياداتها، والأفضل في هذه المرحلة الحساسة هو اتباع سياسات العقل والحكمة وتجنّب المغامرات غير المحسوبة.

التعليقات معطلة.