حماية

1

علي المزيد

علي المزيد

كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.

أتذكر أنه بزمن ليس بالبعيد ذهبت في رحلة طويلة مع عائلتي لعدد من الدول العربية، وفي إحدى هذه الدول العربية وبعد أن زرنا العاصمة قررنا أن نذهب لمدينة شاطئية في الدولة العربية ذاتها، وفعلاً ذهبنا وكان شاطئاً أزرق جميلاً، وفي ذلك الوقت لم تكن وسائل حجز السكن متوفرة ومتاحة كما هي عليه الآن، لذلك بعد أن وصلنا إلى هذه المدينة الجميلة وكان الوصول صباحاً، ما يعني توفر وقت كافٍ لحجز سكن مناسب، تجولنا في المدينة وركزنا على الساحل، فرأينا قرية سياحية تضم منتجعات جميلة تبعد عن الشاطئ مسافة قريبة، أي أن المنتجع في عرض البحر، وقد عُمل له طريق توصلك إليه ببوابة جميلة، لم نفوت الفرصة ودخلنا إلى المنتجع وقد كانت البوابة مفتوحة، وفي منتصف الطريق قابلنا أحد حراس المنتجع وأوقفنا وسألنا عما نريد، فذكرنا له أن المنتجع جميل، ما أغرانا أن نبحث عن سكن نستأجره به، اعتذر الحارس وذكر أن المنتجع غير جاهز لاستقبال المستأجرين.

للأمانة لم أقتنع بالإجابة، لأني رأيت المنتجع جاهزاً بجميع مرافقه، ومع ذلك لا يستقبل العملاء، ومن خلال تتبعي للموضوع عرفت أن المنتجع لمستثمر عربي أخذ جميع التراخيص اللازمة وبدأ بإنشاء المنتجع، وحينما أصبح المنتجع جاهزاً للتأجير جاءه أحد النافذين في تلك البلاد، ويطلقون عليه «المعلم» يريد أن يشاركه دون أن يدفع قرشاً واحداً في المشروع، وأن تكون مساهمته حماية المشروع كأننا في غابة لا دولة!!!

في البلد ذاته استثمر مستثمر سعودي في الفندقة، ولكنه لم يستطع إكمال مشروعه الاستثماري، ليس لقلة الفرص ولكن لكثرة المعلمين، لذلك تخلص من حصته بالبيع، وفي بلدان عربية أخرى شمال أفريقية فشلت مشروعات عربية متعددة في الزراعة وغيرها، ولم يكن السبب عدم توفر عوامل النجاح في هذه البلدان، ولكن السبب الحقيقي كان عدم وجود حماية لهذه الاستثمارات!!!

عادت بي الذاكرة لكل تلك القصص حينما أعلن خلال الأسابيع الماضية عن الاتفاقية السعودية – المصرية لحماية الاستثمارات في البلدين؛ فهل نحن بحاجة لمثل هذه الاتفاقيات بين الدول العربية؟

بالتأكيد، نحن بأمس الحاجة لمثل هذه الاتفاقيات، والسبب أن الخلاف بين الدول العربية أمر وارد؛ حتى إن كان جزئياً، وقد يكون الخلاف سياسياً أو غير ذلك، وباستقراء التاريخ نجد أن هذه الخلافات للأسف تؤثر على الاستثمارات العربية، وقد تزول هذه الخلافات وتعود المياه لمجاريها ولكن بعد «خراب مالطة»، أي بعد أن تؤثر على هذه المشروعات التي تتعثر للأسف، فيفقد الناس وظائفهم ويفقد المستثمر ماله، ما يجعل تكرار هذه المشروعات أمراً مستحيلاً نتيجة فشل التجربة.

الاتفاقية السعودية – المصرية لحماية الاستثمار أمر مستحدث وجيد لجعل الخلافات لا تؤثر على الاستثمارات في البلدان العربية.

أرجو أن تودع هذه الاتفاقية في جامعة الدول العربية، وتصاغ اتفاقية نموذجية تراعي حماية الاستثمار في البلدان العربية، بمعنى أن تكون اتفاقية استرشادية يضيف لها كل بلد ما يراه مناسباً لحماية استثماره في حالة الوصول إلى اتفاقية ثنائية، بحيث تتضمن الاتفاقية البنود الأساسية لحماية الاستثمار، مثل عدم المساس بالاستثمارات العربية في حالة الخلاف، وعدم التأميم، وحرية خروج الأموال، وعدم تعسف الاستثمارات بالضرائب، وحماية الاستثمارات من النافذين وغيرها، وذلك لتشجيع الاستثمارات بين الدول العربية، لا سيما أننا كعرب نملك المال والعنصر البشري وكثيراً من المواد الأولية، ما يعني وجود بيئة خصبة للاستثمار ينقصها الحماية فقط. ودمتم.

التعليقات معطلة.